الداعية هدى عبد الناصر تكتب : خطر التطير والتشاؤم .. والفرق بين التطير”التشاؤم” والفأل ” التفاؤل”
التطير في اللغة: التشاؤم وهو توقع حصول الشر.
وسُميَ التشاؤم تطيرًا، لأن العرب كانوا في الجاهلية إذا خرج أحدهم لأمر قصد عش طائر فيهيجه، فإذا طار الطائر جهة اليمين تيمن به ومضى في الأمر، ويسمون الطائر في هذه الحاله (السانح)، أما إذا طار جهة اليسار تشاءم به ورجع عما عزم عليه، وكانوا يسمون الطير في هذه الحالة (البارح).
فجاء الإسلام فأبطل هذا الأمر ونهى عنه، وشدد في النكير على فاعله، ورد الأمر إلى سنن الله الثابتة، وإلى قدرته المطلقة.
وضد التطير التفاؤل:وهو التيمن بسماع كلمة طيبة، ويشمل كل قول أو فعل يستبشر به أو يرى شيئًا طيبًا.
وقد كان النبي ﷺيتفاءل ولا يتطير، وكان ﷺ إذا خرج من بيته يحب أن يسمع: يا راشد يا نجيح.
والتطير قديم الوجود في الأمم:فقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى أن فرعون وقومه تطيروا بموسى عليه السلام ومن معه. قال تعالى:
” فَإِذَا جَاۤءَتۡهُمُ ٱلۡحَسَنَةُ قَالُوا۟ لَنَا هَـٰذِهِۦۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَیِّئَةࣱ یَطَّیَّرُوا۟ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥۤۗ أَلَاۤ إِنَّمَا طَـٰۤىِٕرُهُمۡ عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ” سورة الأعراف.
وقبل ذلك تشاءم قوم صالح بصالح عليه السلام. قال تعالى:” قَالُوا۟ ٱطَّیَّرۡنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَۚ قَالَ طَـٰۤىِٕرُكُمۡ عِندَ ٱللَّهِۖ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمࣱ تُفۡتَنُونَ” سورة النمل.
ومازال الناس إلى يومنا هذا يتطيرون، وتطيرهم دليل ضعف توكلهم على ربهم ونقص عقولهم، وإلا فأي شأن للتطير أو غيره بمستقبل الإنسان وقدره.
قال الشيخ ابن عثيمين: والإنسان إذا فتح على نفسه باب التشاؤم فإنها تضيق عليه الدنيا، وصار يتخيل كل شيء أنه شؤم.
(حكم التطير التشاؤم)
التطير محرم مُخل بالتوحيد، قد نفى النبيﷺ تأثيره وجعله شركًا وأخبر أنه لا يرد المسلم وأن الطيرة من الجبت.
قالﷺ:”لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر” حيث نفى تأثير الطيرة.
“هامة” هو طائر كانت العرب تزعم أن عظام الميت منه تخرج تخرج من هامته أي رأسه هامة فتقول:اسقوني اسقوني حتى يقتل قاتله.
“ولا صفر” قيل كانوا يتشائمون بشهر صفر وقيل كانوا يحلونه عامًا ويحرمونه عامًا فأبطله الإسلام.
وقالﷺ:” الطيرة شرك الطيرة شرك الطيرة شرك” وقالﷺ:” من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك”
وإنما جُعل التطير شركًا لاعتقادهم أن ذلك يجلب نفعًا أو يدفع ضررًا فكأنهم أشركوه مع الله تعالى، وهذا الاعتقاد مناف لقوله تعالى:”وَإِن یَمۡسَسۡكَ ٱللَّهُ بِضُرࣲّ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥۤ إِلَّا هُوَۖ وَإِن یُرِدۡكَ بِخَیۡرࣲ فَلَا رَاۤدَّ لِفَضۡلِهِۦۚ یُصِیبُ بِهِۦ مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ” سورة يونس.
فالله هو النافع الضار، وهذه الطيور لا تعلم الغيب ولا تدل على المخبأ من الأمور بوجه.
و قال ابن القيم:التطير هو التشاؤم بمرئي أو مسموع، فإذا اعتقد فيه الإنسان فقد قرع باب الشرك وبرئ من التوكل على الله سبحانه وتعالى وفتح على نفسه باب الخوف والتعلق بغير الله.
وذلك قاطع على مقام :”إِیَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِیَّاكَ نَسۡتَعِینُ” “فَٱعۡبُدۡهُ وَتَوَكَّلۡ عَلَیۡهِۚ” “عَلَیۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَیۡهِ أُنِیبُ”.
فيصير قلبه متعلقًا بغير الله عبادة وتوكلًا فيفسد عليه قلبه وإيمان وحاله ويبقى هدفًا لسهام الطيرة، ويقيض له الشيطان من يفسد عليه دينه ودنياه، وكم هلك أناس بسبب ذلك وخسروا الدنيا والآخرة.
(الطيرة تنافي حقيقة الإسلام) ويخشى على صاحبها :فقد قالﷺ:” ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له، ومن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ”
وعن عروة بن عامر القرشي قال:ذكرت الطيرة عند رسول الله ﷺ فقال:”أحسنها الفأل ولا ترد مسلمًا”
(علاج الطيرة وكفارتها)
بين النبي ﷺ أنه لا يجوز أن يلتفت المسلم إلى الطيرة فترده عن حاجته، وعليه أن يمضي متوكلًا على الله ويقول الذكر الوارد في ذلك.
قال ﷺ:” من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك” قالوا:فما كفارة ذلك؟ قال:”أن تقول:اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك”
أو تقول:”اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك”
(إنما الشؤم في ثلاثة)
ثبت عن النبي ﷺ أنه قال:” لا عدوى ولا طيرة، وإنما الشؤم في ثلاث:في الفرس والمرأة والدار “. وفي رواية:” إن كان الشؤم ففي الدار والمرأة والفرس ”
وقد أرشد النبي ﷺ إلى دعاء ينتفع به المسلم في دفع الضر عند الزواج بالمرأة أو شراء الخادم والدابة، حيث قالﷺ :”إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادمًا أو دابة فليقل:اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه”
” أما الفأل “فكان النبيﷺ يتفاءل ولا يتطير حيث قال ﷺ:”لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل” قالوا:وما الفأل؟ قال:”الكلمة الحسنة الكلمة الطيبة ”
قال الحليمي:إنما كان ﷺ يعجبه الفأل لأن التشاؤم سوء ظن بالله تعالى بغير سبب محقق، والتفاؤل حسن ظن به تعالى.
والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال.
وقال الشيخ ابن عثيمين:فالكلمة الطيبة تعجبه ﷺ لما فيها من إدخال السرور على النفس والانبساط والمضي قدمًا لما يسعى إليه الإنسان.