د.آمال طرزان تكتب .. على أعتاب بيت الحكمة العراقي نلتقي

لا شيء يماثل سحر نسمات الصباح، بينما أنا جالسة على ضفاف نهر النيل في إحدي الحدائق المفتوحة ورغم أنغام الطيور العذبة التي تملأ المكان بجمالها، كنت غارقة في الكتابة لجدتي الملكة “حتشبسوت” حيث سحابة من الحزن كانت تخيم على فكري بسبب ما يحدث بغزة ولبنان، وكثرة النزاعات بالمنطقة العربية، فقد تفاقمت ظاهرتا الهجرة واللجوء في عالمنا المعاصر وفجأة، شعرت بيد توضع على كتفي، وصوت يهمس في أذني : “ما بالك، يا بنت الشرق؟ لمن تكتبين رسالتك؟” كانت سمو الملكة “سميرأميس” أمامي، تتألق بفستان من الحرير،مزين بخيوط من الذهب، وبابتسامة ساحرة تعلو شفتيها الوردية.
آمال : وقفت لأرحب بها، ولكنني لم أستطع أن أبادلها الابتسامة، فقد كان الحزن يثقل صدري، أحمد الله فخامة الملكة. كنت أكتب لجدتي الملكة “حتشبسوت” لأخبرها أن بنات الشرق تؤرقهن النزاعات والحروب التي تعصف بعصرنا الراهن، فبعضهن يتعرضن لأنماط مختلفة من العنف والاستغلال والاتجار بهن. يتحملن العبء الأكبر من الأزمات، مما يؤدي إلى فقدانهن الأمان وحقوقهن الأساسية، لا أعلم ما الذي ينتظرنا؟؟؟!
الملكة سمير أميس : لا تحزني درة الشرق هوني على نفسك، ثم ربتت على كتفي بلطف، وأمسكت بيدي لنخطو معًا في نزهة بالحديقة. ووقفنا أمام إحدى الشجيرات، همست لي: “أود أن اصطحبك إلى لؤلؤة الشرق”. وعندما لمست الشجرة، وجدنا أنفسنا في بغداد، عاصمة حضارة بلاد ما بين النهرين. هنا، يحتضن نهري دجلة والفرات عراقة الحضارة البابلية، وتتجلى ملامح هويتنا العربية وسماتناالحضارية الإسلامية، قائلة لي نحن على أعتاب بيت الحكمة العراقي، الذي يتلألأ كمنارة تنير دروب المعرفة مبشراً بمستقبل مشرق.
آمال : من شدة المفاجأة شعرت برعشة في قلبي. فها أنا على اعتاب بيت الحكمة الذي أعيد تأسيسه عام 1995م تخليدًا لذكرى “خزانة الحكمة”، التي أُنشئت في القرن الثامن الميلادي خلال عهد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور.
الملكة سمير أميس : نعم فهي مؤسسة فكرية علمية، ذات استقلال مالي وإداري مرتبط برئاسة مجلس الوزراء، تعنى بالبحوث والدراسات ومهمتها العناية بدراسة تاريخ العراق والحضارة العربية والإسلامية وتوظف ذلك لصالح الحاضر والمستقبل وإرساء منهج الحوار بين الثقافات والأديان بما يسهم في ثقافة السلام وقيم التسامح الديني والتعايش بين الأفراد والجماعات، كما يُعنى برصد ومتابعة التطورات العلمية والسياسية والاقتصادية وآثارها المستقبلية على العراق والوطن العربي أجمع وكذلك الدراسات التي تعزز من ممارسة المواطن لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية وترسيخ قيم الديمقراطية والمجتمع المدني ومن ثم محاولة تقديم الرؤى والدراسات التي تخدم عملية رسم السياسات واتخاذ القرارات .(1)
آمال : تجسد هذه المؤسسة الفكرية روح العراق العريق، إنها بمثابة منارة للمعرفة، ترسم جسور الحوار بين الثقافات، وتغرس قيم التسامح والسلام في نفوس الأجيال.
الملكة سمير أميس : من أجل ذلك يُقيم قسم الدراسات الاجتماعية في بيت الحكمة المؤتمر العلمي الحادي عشر والدولي الثالث يومي 11-12 ديسمبر 2024 تحت عنوان “الهجرة واللجوء والتحديات الإنسانية بين المسؤولية الدولية والالتزامات الوطنية”برعاية دولة رئيس الوزراء المهندس محمد السوداني.
آمال : جلالة الملكة، من المسؤول عن التحضير والاعداد لهذا المؤتمر ؟
أشارت الملكة إلى خلية النحل النشطة تعمل بشكل دؤوب مستمر وهم الأستاذ الدكتور عادل البغدادي (رئيس مجلس أمناء بيت الحكمة)، الأستاذ الدكتور خليل رسول عن الإدارة العامة للمؤتمر والإستاذة الدكتورة خديجة جاسم رئيسة المؤتمر، الإستاذ الدكتور عدنان ياسين (رئيس اللجنة العلمية للمؤتمر)، الدكتور عماد جاسم (مستشار بيت الحكمة) ، الأستاذ الدكتور عادل الغريري (رئيس لجنة العلاقات والإعلام والاستقبال للمؤتمر)، وم.م حسام خضير (مسؤول اللجنة الفنية والاتصالات نائب رئيس اللجنة التنظيمية للمؤتمر). وخلف هذا المؤتمر تقف جهود الكثير من موظفي ولجان المؤتمر الداخلية والخارجية ببيت الحكمة فهم يصلون الليل بالنهار حتي يعقد المؤتمر في بيت الحكمة ويكون له صدى في وطننا العربي.
وقدمت لي جلالة الملكة كراسة المؤتمر لقراءة أهدافة :
أولا / البحث في مختلف العوامل والأسباب التي تدفع الشباب الى الهجرة.
ثانيا / تسليط الضوء على قضايا الهجرة واللجوء وقضايا حقوق الانسان.
ثالثا/ تقصي احتياجات المهاجرين واللاجئين وجوانب ضعفهم والمخاطر التي يتعرضون لها.
رابعا / اقتراح سياسات وتبني إجراءات تستهدف حوكمة الهجرة ضمانا لحقوق المهاجرين خارج البلاد والقادمين واللاجئين والعائدين والعمل على الحد من المخاطر التي يتعرضون لها.
خامسا / محاولة بناء إستراتيجيات وسياسات تعمل على تيسير التوظيف المنصف والاخلاقي للمهاجرين وضمان الظروف التي تكفل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للعمل اللائق بهم.
سادسا / اقتراح التدابير الوطنية والوقائية والعلاجية لمكافحة تهريب المهاجرين.
ثم أخذت جلالة الملكة “سميرأميس” تستعرض لي محاور المؤتمر والتي تتمحورحول :
المحور الاول: الإطار المفاهيمي والتاريخي والمقاربات العلمية
المحور الثاني: واقع الهجرة في العالم بين مناطق الجذب والطرد والعبور.
المحور الثالث: الحماية الاجتماعية والقانونية للمهاجرين واللاجئين.
المحور الرابع : الهجرة واللجوء وعلاقتهما ببعض المتغيرات الاجتماعية.
أوضحت لي جلالتها أن المؤتمر يضم عددا من البلدان المشاركة وهي: مصر، لبنان، سوريا، فلسطين، الأردن، الإمارات، تونس، المغرب، ليبيا، الجزائر، الصومال، بيرو، إيران، السودان، فرنسا، تركيا، باكستان، بنغلاديش، ألمانيا، واليمن.
شددت جلالة الملكة على أن ظاهرة الهجرة واللجوء أصبحت ناقوسا يدق أجراس الخطر في ظل الأوضاع السياسية الراهنة وتصاعد النزاعات والحروب التي تعصف بالمنطقة العربية. لذا، يأتي هذا المؤتمر ليبحث في جذور هذه الظاهرة وأسبابها ، حيث تبرز أهميته في مناقشة الأبحاث والتوصيات الهادفة إلى رسم خارطة طريق لمعالجة مخاطر الهجرة واللجوء في العراق والمنطقة العربية والعالم بأسره. ويركز هذا المؤتمر على إيجاد حلول عملية تسهم في تفكيك الأزمات ومعالجة التحديات بما يخدم مستقبل عالمنا المعاصر.
ثم طرحت فخامتها تساؤلاً عما إذا كنت سأشارك في المؤتمر، وألتقي بمنظميه والباحثين المشاركين فيه. نظرت إليَّ بنظرة تحمل في طياتها الاستفهام، وكأنها تبحث في عيني عن إجابة وافية. فأجبتها: “أما عن المشاركة، سموكم، فهي أمر لا شك فيه. ولكن فيما يتعلق بالقدوم، فلا أستطيع الجزم بما تخبئه الأقدار، فربما يسوقني القدر ذات يوم إلى أرض الرافدين.
انقضى الوقت كلمح البصر خلال حديثي مع الملكة الفطنة، وفجأةً، انبثق صوت من السماء، كان صوت جدتي، جلالة الملكة حتشبسوت. تجلى وجهها البهي على ضوء القمر، الذي أضاء السماء بأسرها، قائلة: “إن هويتنا العربية تستدعي منا التكاتف لتعود إلى عظمة ماضيها. وأوصيك، ابنتنا، ألا تنسي نساء العروبة”.