كُتّاب وآراء

دكتورة عفاف طلبة تكتب .. تأملات وروحانيات الفكر

دكتورة عفاف طلبة

جلست مع نفسي أفكر وأحاورها فتارة يجيبني العقل وتارة أخرى القلب .. في لحظة تأملية لما يدور حولي من أمور تؤرق البعض وتسعد البعض الآخر ، وتثير في كثير من الأحيان الكثير من اللغط لكن في النهاية لابد أن يكون التدبر والتفكر الصحيح هو منهاج حياتنا حتي نستطيع أن نحقق السلام النفسي لأرواحنا.

أبدأ رحلتي الفكرية التأملية بعبارة أؤمن بها الا وهي أن الإسلام هو دين تسامح ورحمة وعدل
يقول الله وجل في كتابه الكريم :
” لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ”
فالله يأمرننا بالقسط والعدل لغير المسلمين وهذا تأكيد أنه دين سلام وليس دين التخريب والهدم والعنف كما يروج البعض ..
كما يقول سبحانه وتعالي :
” وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ”
كما يقول سبحانه :
( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ )
وآيات كثيرة في القرآن الكريم تدعو الي التدبر والتحليل والتفسير السليم الذي يحقق السلام والطمأنينة لكل البشرية يذهب البعض أن العبرة في القرآن الكريم هي عموم اللفظ وليس السبب وأنا لأ أتفق تماما مع هذا الرأي لأن القرآن الكريم هو خطاب عالمي لكل الناس من شتي الأجناس والألوان أشتمل علي كل أمور الشريعة وقواعدها وكل ما يختص بالحلال والحرام ولكنها في نفس الوقت تضع أمام المفسرين والأئمة وشيوخنا الأجلاء مصباحا يجب أن يستنبطوا في ضوءه أحكام الموضوعات لكل زمان ومكان .

يقول الله عز وجل في كتابه الكريم :
” يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ”
وبتأملي وتدبري لهذه الأية الكريمة أتساءل كيف يكون القرآن شفاء لنا في الصدور ورحمة الا في وضوح كل شىء فيه ودعوته للتسامح والحب ونبذ الكراهية والعنصرية ، وبالرغم أنه وضع مبادىء عامة وثابته في كثير من أحكامه الا أنه أيضا وضع الكثير من المرونه وترك التطبيق لتطور الزمان وبروز الحاجات وهذا يفسر اختلاف الكثير من الفقهاء والأئمة في تفسير الكثير من الآيات .

إن الثبات والمرونة التي أودعها الله في كتابه الكريم تتسع لمواجهة كل جديد بما يتلائم مع الروح السمحة لديننا الحنيف ..
في سياق آخر من رحلتي التأملية الروحانية ويقينى أن الله جميل يحب الجمال فلذا أري من وجهة نظري أن الفنون الهادفة بشكل عام هي ضرب من ضروب الجمال لأن الفن الهادف يسمو بالإنسان وبوجدانه وأفكاره وقد كان النبي صل الله عليه وسلم يختار للآذان أجمل الأصوات ،كما أننا نجد أن الكثير من المقرئين يدرسون المقامات الموسيقية علي يد الفنانين مثل أساتذة الموسيقي العربية التي تزخر معاهدنا الموسيقية بهم لمعرفة التلاوة الصحيحة في القراءة وكيفية استخدام علامات التشديد والوقف والانتقال بين المقامات المختلفة بحرفية عند التلاوة لتجسيد معاني الآيات بشكل صحيح وكان من اشهر هؤلاء المقرئين الذين استخدموا التنغيم في قراءة القرآن الكريم الشيخ عبد الباسط عبد الصمد لانه كان يرى أن الصوت الحسن يكون سببا في التأثير والانصات جيدا وتدبر معاني الآيات .. واذا تطرقنا الي الشعر فهناك من يستندون في التحريم الي الآية الكريمة ( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُون وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ)
الحقيقة عند قراءة هذه الأية جيدا وتدبر المعني سيرى أنه ليس هناك تحريم قطعي والدليل أنه اختتم الآية بقوله عز وجل “إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات “.

هناك فرق كبير بين الكلمة واستخدامها ، بين الموسيقي وتوظيفها ، بين الفن وتوجهاته .. وفي نظرة أخري لأحد الفنون وهي النحت فالقرآن لاينص صراحة علي المنع ، هو يحرم عادات وثنية محددة كانت سائدة في مجتمع ما قبل الإسلام فعندما حرم الرسم والنحت إنما استبعده عن حياة المسلم لإن هذه الفنون تصرف الناس عن العبادة وتشغل المسلمين عن إقامة الصلوات والعبادات الأخري.

فالهدف من تحطيم تماثيل الكعبة أو حظر الرسوم هو سياسي في المقام الأول قبل أن يكون ديني ولذا وجب علينا وضعه في إطاره التاريخي السياسي حيث أن هذه التماثيل فى ذلك الوقت كانت تعد رمزا من رموز سلطة قريش يحب تحطيمها ودينية لأنها كانت تعبد من دون الله أما في وقتنا الحاضر فالأمر يختلف تماما.

دعونا نتفق أن الفنون في حد ذاتها ضربا من ضروب الجمال واستحضار الجمال هو استحضار للإيمان ودعوة الي التأمل في بديع خلق الله فالموسيقي مثلا موجودة في جميع مناحي الحياة صوت الرياح ، خرير الماء ، حفيف الأشجار ، زقزقة العصافير …الخ والموسيقي البشرية هي محاكاة مشروعة لهذا الجمال.

ومن يستخدم أى نوع من أنواع الفنون لأغراض أخري مثلما كانوا يفعلون مع الأصنام كالعبادة أو هدم القيم المجتمعية أو الأخلاقية أو ماشابه فهذا بالتأكيد يستوجب أن يتصدي له المجتمع علي اختلاف توجهاته بكل قوة .. في النهاية أود أن أقول بعد رحلتي التأملية الروحانية أن القرأن الكريم كفيل أن يصلح المجتمعات المعاصرة ويعالج القضايا المتجددة لانه يحمل بداخله كل عناصر النمو والتجديد وتفسيره بشكل صحيح هو مايجعله صالحا للتطبيق في كل زمان ومكان.

لذا أطالب شيوخنا الأجلاء من المؤسسة الدينية بالتوجيه نحو تصحيح الخطاب الديني بما يتفق مع تعاليم وروح ديننا الإسلامي العظيم لأنى شخصيا لا أحبذ عبارة تجديد الخطاب الديني والذي ينادى به الأغلبية من الناس لإن من وجهة نظرى أرى أن الخطاب الديني لايحتاج الي تجديد بل الي تصحيح لانه انحرف عن مساره الصحيح الذي كان يجب أن يسير عليه والتفسير السليم لأحكامه التي وضعها الله في كتابه الكريم ..
( اللَّهُمَّ اجْعَلْ الْقُرْآنَ الْعَظِيمِ رَبِيع قَلْبِي وَنَوَّر صَدْرِي وَجَلَاء هُمُومِي وَاجْعَلْه نُورًا فِي قَبْرِي وَمُؤْنِسًا فِي وَحْدَتِي وَنَوَّر وَشَفِيعَا لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى