زياد الرحباني وكارمن لبس .. حب دفين وحزن لاينتهي بالرحيل أو الدموع وطي السنين

كتب- باسم العاصي
في مشهد مهيب ودّع لبنان ابنها الفنان البار زياد الرحباني، وسط حزن خيم على الجميع ودموع منسابة بلا توقف كاشفا عن التأثير الذي تركه العبقري اللبناني في نفوس كل من عرفه تعامل معه بإنسانيته وروحه وعبقريته وعفويته وفنه .
لكنّ الحزن بدا مضاعفًا في عيني كارمن لبّس والتي وقفت في صالون كنيسة رقاد السيدة كما لو أن السنوات الطويلة التي جمعتها بالموسيقار الراحل قد عادت دفعة واحدة، لا لتُستعاد، بل لتُوارى الثرى معه.
وكأنها جمعت كل أحزانها السابقة في حزن واحد مع رحيل زياد ليبقى الألم والحزن سُم بطيء
لم تتكلم، لم تواكب الكاميرات، بل وقفت بصمتٍ دامع وملامح صدمة بلا تمثيل أو تجميل لموقف حزين، في لحظةٍ نادرة كشفت عن وجعٍ خالص .
كارمن، ارتبط اسمها لعقود بصوت زياد وألحانه وأوجاعه، لم تكن حبيبة سابقة فحسب، بل شاهدة على زمنٍ من التمرّد الفني والوجداني، في علاقة دامت قرابة 15 عاماً، كان عنوانها العشق والتناقض.
ورغم أن الانفصال وقع بهدوء، إلا أن الوداع الأخير فضح ما خبّأته السنوات من شغف وألم واحترام دفين.

البداية
وُلدت كارمن لبّس في بيروت عام 1963، وبدأت مسيرتها الفنية في سن مبكرة.
درست التمثيل في معهد الفنون الجميلة، ثم التصوير السينمائي في جامعة أكسفورد، في وقت لم تكن فيه الفنانات اللبنانيات يطرقن أبواب الأكاديميات العالمية.
مع منتصف الثمانينات، بدأت تثبيت حضورها في أعمال درامية لبنانية مثل “الطحالب” و”نُزل السرور”، قبل أن تنتقل إلى الساحة العربية من خلال أدوار درامية بارزة في “نساء في العاصفة” و”West Beyrouth”، ثم مشاركاتها في أعمال كبرى مثل “سرايا عابدين”، و”الزيبق”، و”2020″، إلى جانب أدوار ذات طابع إنساني لافت في “بالحب جنون”، و”شتي يا دني”.
كارمن لبّس لم تركن للنجاح السهل، بل سعت لصقل موهبتها عبر دراسات مسرحية وسينمائية متجددة، من بيروت إلى باريس، وهو ما منحها قدرة نادرة على التنقّل بين الشخصيات والأنماط الدرامية دون أن تفقد خصوصية أدائها.
حصدت خلال مسيرتها جوائز عدة، بينها “الموركس دور” كأفضل ممثلة لبنانية، لكن الأهم من الجوائز كان حفاظها على حضور فني لا يتبدد، يؤمن بالمرأة ككيان مستقلّ لا يُختزل في النمط أو الشكل.
عبقري.. وشقي
في كل حديث عن زياد الرحباني، كانت كارمن صادقة، لا تمجّده ولا تُنكر وجعه.
كانت تعرف أنه “عبقري وشقي”، وأن قربه مكلف، لكنّ قلبها ظلّ يسكنه في مكان ما، حتى لو لم يظهرا معًا منذ سنوات.
أرادت الاستقرار، بينما ظلّ هو سجين قلقه الفني. لكنها لم تتخلّ عنه.
وعند رحيله، كانت هناك، تبكيه دون ضجيج، كأنها تودّع نفسها أيضًا.
من “ع الحلوة والمرة” إلى “خريف العمر” و”للموت”، لم تغب “كارمن لبّس” عن الشاشة في السنوات الأخيرة، لكن وداعها لزياد ربما شكّل نهاية فصل عاطفي وفني طويل، لا تُكتَب نهايته إلا بالدموع.
دموع فنانة اعتادت الصعود والصمود، لكنها في حضرة الراحل، انهارت بصمت.
الوجع بقلبي!
نعت كارمن لبس ، العبقري زياد الرحباني قائلة: “فكرت بكل شي إلا إنو الناس يعزّوني فيك ” الوجع بقلبي أكبر من إني اقدر أوصفه، أنا مش شاطرة بالتعبير، انت أشطر مني بكتير تعبّر عني …” بهذه الكلمات المؤثرة، نعت كارمن لبّس الموسيقار الراحل زياد الرحباني، مستذكرة علاقة استثنائية جمعتهما لسنوات طويلة، تركت بصمتها في المسرح والموسيقى وذاكرة الجمهور.
وأضافت في رسالتها التي شاركتها عبر اكس : “لو كان في بُعد، بس كنت موجود، وهلق بطلت.. صعبة كتير زياد ما تكون موجود!! رح ابقى اشتقلك عطول لو انت مش هون.. وحبك، بلا ولا شي.”
وأكملت في نعيها الثاني له عبر حساباتها على السوشيال ميديا: “صعبة كتير زياد ما تكون موجود، رح ابقى اشتقلك عطول لو انت مش هون..وحبك، بلا ولا شي.”
كارمن.. وزياد
بداية علاقتهما كانت فنية، حين التقت كارمن بزياد من خلال أحد المعارف بهدف التمثيل في مسرحيته الشهيرة فيلم أمريكي طويل، لتصبح بعدها جزءًا من فرقته المسرحية. شاركت في أعمال مثل نزل السرور، بخصوص الكرامة والشعب العنيد، ولولا فسحة الأمل.
والعلاقة بين كارمن وزياد لم تكن محصورة بالمسرح فقط، بل امتدت لـ15 عامًا، كانت فيها شريكة في حياته الفنية والشخصية، وتزوجا من دون عقد زواج مدني أو رسمي، ووصفت العلاقة بأنها كانت “زواجًا أمام الله”، قائلة : كتبنا تعهّد بين بعض وتزوجنا أمام الله، ولم نسجّل الزواج على ورقة.
زواج وانفصال
وكانت كارمن تطرقت منذ فترة الى أسباب انفصالها عن زياد خلال لقاء مع محمد قيس على قناة المشهد، حيث تحدثت عن عدة جوانب أدّت إلى نهاية العلاقة، منها الجانب المالي، حيث قالت إن المال كان هو الأساس، وكان هناك توقّع بأن المسرحيات ستجلب المال، لكنها كانت تخسر. ورغم ذلك، فضّلت عدم التعمق في سبب هذه الخسائر.
أما على الصعيد الشخصي، فتحدثت عن عدم دعم المحيطين لهذه العلاقة، وأن الناس كانوا كل الوقت يساهمون في تعقيد الأمور أو إحداث المشاكل.
كما اعترفت كارمن بأنه لم يكن لديها الوعي الكافي أو النضج الكافي للتعبير عن مشاكلها واحتياجاتها، و لم تخبره بأن “هذا الشيء يضايقني” أو “يجب أن تفعل كذا”، بل اعتقدت أنه “ذكي لدرجة أنه سيفهم لوحده”.
أما نهاية العلاقة فوصفتها بأنها كانت “صعبة جداً”، ولم يكن الأمر متعلقاً بقرار الانفصال بحد ذاته، بل بأنها وصلت إلى مرحلة “لم يعد بإمكانها الاستمرار”، وشعرت بضرورة اتخاذ هذا القرار.

خيانة الأصدقاء
وتحدثت أيضًا عن خيانة الأصدقاء المشتركين بعد الانفصال، وقالت إنه رغم أنهم “أكلوا وشربوا في بيتك” لمدة 15 عاماً، وكنت “تطبخين لهم وتحضرين لهم وتفعلين كل ما تريدين لأجلهم”، وهم “قطعة من حياتك ومن عمرك”، إلا أنه “لم يكن هناك اتصال هاتفي، ولا أحد يسأل هل أنتِ بخير؟ لا أحد”.
و على قناة LBC تطرقت” كارمن لبس “إلى الجانب الاقتصادي وتأثيره غير المباشر على علاقتهما، بالإضافة إلى طبيعة “المركز” الذي جمعهما، والذي وصفت تفاصيله بدقّة:
وقالت :”المركز… هو شي صعب وصفه أساسًا. مركز للممثلين، يجتمعوا فيه، كل الاجتماعات بتصير فيه.. كان عبارة عن أوضة نوم، وبيانو، وكل الفايلات للموسيقى، النوفيات، الخزانات… تقريباً مشان هيك كنا نسمّيه مركز، فما كان بيت حقيقي، نصّه مكتب كمان.”
وسالها زياد عن الأغنية التي قدمها لها، مازحا: “ليه لبدّي عليها؟ وهي أغنية “عندي ثقة فيك”، لترد عليه: قدّمت لي إيّاها كان أول سنتين غرام، هيدي طبعاً.
وعن الموسيقى، شددت كارمن على فرادة زياد قائلة:”هو مش بس موسيقي، أنا بقول له: إنت أكتر من موسيقي، لأنو الحس اللي بينقله، والتفاصيل بالتوزيع… ما حدا بيقدر يعملها متلو.”
وفي ختام الحديث، تمنت له الاستمرار:”بتمنى يضلّه مكمّل، يعمل ألحان حلوة، ويشتغل موسيقى، لأنو نحن بحاجة لهالنوع من الموسيقى اللي هو بيعمل.”
