خالد إدريس يكتب لـ «30 يوم» : صراعات الوكلاء في السودان
يشهد السودان منذ أكثر من عام صراعًا داميًا بين الجيش السودانى بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو «حميدتى»، فى واحدة من أكثر الحروب تعقيدًا وتشابكًا فى تاريخ المنطقة. هذا الصراع، الذى بدأ كخلاف على السلطة والنفوذ، تحوّل تدريجيًا إلى حرب مدمّرة تمزّق الدولة وتفتح الباب أمام سيناريوهات التقسيم والتفكك، وسط تدخّلات إقليمية ودولية تهدف إلى إعادة رسم خريطة السودان بما يخدم مصالح قوى خارجية.
السودان، الذى يمتلك ثروات طبيعية هائلة ومساحات زراعية خصبة تجعله مؤهلًا ليكون سلة غذاء العالم العربى، يجد نفسه اليوم غارقًا فى أتون حرب تُهدر موارده وتُدمّر بناه التحتية، وتُشرّد الملايين من أبنائه. ومن المؤسف أن المؤشرات الحالية توحى بأن هذا الصراع لا يُدار فقط من الداخل، بل تُوجَّه خيوطه من الخارج فى إطار خطة مدروسة لتفكيك السودان وإضعافه عبر استنزاف طرفيه المتنازعين، تمهيدًا لتقسيمه إلى كيانات أصغر.
ولا يمكن تجاهل أن بعض القوى الإقليمية، تنخرط بشكل مباشر أو غير مباشر فى هذا الصراع، بدعم هذا الطرف أو ذاك، حفاظًا على مصالحها أو تحقيقًا لأجندات محددة. إلا أن الثمن الحقيقى يدفعه الشعب السودانى، الذى يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية فى القارة الأفريقية.
ولا شك أن العلاقات بين مصر والسودان ليست مجرد علاقات جوار جغرافى، بل هى روابط أزلية وتاريخية تمتد عبر النيل والدم والتاريخ المشترك. لذلك، تنظر القاهرة إلى ما يجرى فى السودان بعين القلق والمسئولية فى آن واحد. فحدود السودان ليست مجرد خطوط على الخريطة، بل امتداد طبيعى للأمن القومى المصرى.
تدرك مصر أن استمرار الصراع فى السودان لا يهدد فقط استقرار هذا البلد الشقيق، بل قد يترك تداعيات مباشرة على أمنها القومى، سواء من حيث الهجرة غير الشرعية، أو تسلل الجماعات المسلحة، أو اضطراب الحدود الجنوبية. لذلك، تتحرك القاهرة سياسيًا ودبلوماسيًا لإيجاد مخرج للأزمة عبر الدعوة إلى الحوار الشامل ووقف إطلاق النار، ودعم جهود التسوية السياسية التى تحفظ وحدة السودان وسلامة أراضيه.
وكعادتها فى مثل هذه الأزمات، تقف مصر على جانب الاستقرار والسلام، دون أن تتورط فى محاور أو تدخلات. فهى تؤمن أن أمن السودان من أمنها، وأن استقراره هو خط دفاعها الأول فى الجنوب.
ومع ذلك، تؤكد مصر بوضوح أنها لن تصمت أمام أى تطورات تمس حدودها أو تهدد أمنها القومى، وأنها قادرة -إذا لزم الأمر- على حماية مصالحها بكل الوسائل المشروعة.
السودان اليوم يقف على مفترق طرق حاسم: إما أن يستعيد وحدته عبر تسوية وطنية تحفظ الدولة وتمنع التقسيم، أو أن يترك نفسه فريسة لصراعات الوكلاء ومشروعات التفكيك.
ومصر، التى تدرك خطورة ما يجرى، تواصل القيام بدورها العربى والتاريخى، ساعية إلى إحلال السلام والاستقرار فى السودان، وفى الوقت نفسه حامية لأمنها القومى وحدودها، بما يضمن أن تبقى المنطقة بعيدة عن الفوضى والانقسام. حفظ الله السودان الشقيق من التقسيم، ومصر وأهلها من كل سوء.
Khalededrees2020@gmail.com
اقرأ أيضا
خالد إدريس يكتب لـ «30 يوم» : الاستقرار السياسي لا يُبنى على الإقصاء




