الإعلامية الجزائرية د. كريمة الشامي الجزائري تكتب لـ «30 يوم» : ثقافة المقارنة .. حين نصبح سجناء صور الآخرين

في زمنٍ تُقاس فيه السعادة بعدد الإعجابات، والنجاح بعدد المتابعين، تحوّل الإنسان من باحثٍ عن ذاته إلى متسابقٍ في مضمارٍ لا نهاية له.
لم تعد المقارنة مجرّد سلوكٍ عابرٍ، بل أصبحت ثقافةً تُغذّيها الشاشات وتُكرّسها الأمهات في التربية والمجتمع في الحكم.
منذ الصغر، يُقال للطفل:
“انظر إلى ابن عمّك، حصل على معدلٍ أعلى.”
“شوفي بنت خالتك، تزوّجت قبلِك.”
وهكذا تُزرع في النفس أول بذرة للحسد، وأول درس في الإحباط، لأننا نُربّى على أن قيمة الإنسان تُقاس بما عند غيره، لا بما هو عليه.
* من منظورٍ نفسي
علم النفس يؤكد أن المقارنة الاجتماعية Social Comparison سلوك فطريّ، لكن حين تتحوّل إلى عادةٍ يومية، تُصبح أحد أخطر أسباب فقدان الرضا واضطراب الصورة الذاتية.
الأبحاث تُظهر أن الأشخاص الذين يقارنون أنفسهم باستمرار يعانون من مستوياتٍ أعلى من القلق والاكتئاب والشعور بالدونية، لأنهم يعيشون في حلقةٍ مفرغة من التقييم المستمر للذات من خلال الآخرين.
المقارنة الدائمة تقتل الإبداع، لأن من يقارن لا يُبدع؛ هو يلهث وراء التقليد لا الاكتشاف، ويتعلّق بالمظاهر لا الجوهر.
*في العلاقات والمجتمع
حتى العلاقات لم تسلم من هذا المرض:
الزوج يقارن زوجته بغيرها، والزوجة تقارن زوجها بما تراه على الشاشات، والأصدقاء يتنافسون بدل أن يتكاملوا.
تحوّلت العلاقات الإنسانية من مشاركة إلى منافسة، ومن دعمٍ إلى عرضٍ يوميٍّ للنجاح المصطنع.
مجتمع المقارنة لا يُنتج محبة، بل يُنتج قلوبًا متعبة تبتسم للعلن وتبكي في الخفاء.
* نحو ثقافة الوعي والامتنان
الحل ليس في إغلاق الشاشات، بل في إعادة تربية البصيرة.
أن نعلّم أبناءنا أنّ التفوّق الحقيقي هو على الذات، لا على الآخرين.
أن نُدرك أنّ السعادة لا تُقاس بالمظاهر، وأنّ كل إنسانٍ يعيش معركته الخاصة التي لا نراها.
فلنقارن أنفسنا بما كنّا عليه أمس، لا بما يظهره الآخرون اليوم.
ولنتذكّر أنّ أجمل ما فينا لا يحتاج تصفيقًا، بل سلامًا داخليًا ورضا من الله.
*خاتمة
المقارنة دودة تنخر في صمتٍ وتُضعف الثمار الجميلة في داخلنا.
وحين نُشفى منها، نبدأ أول خطوة نحو الحرية النفسية الحقيقية: أن نكون كما نحن، لا كما يريدوننا أن نبدو.
لا شيء يُرهق الروح مثل المقارنة…
فحين تنظر إلى ما في يد غيرك، تُفلت ما في يدك دون أن تشعر.
كن ممتنًّا لما أنت عليه، فالنور لا يحتاج أن يُنافس أحدًا ليضيء.
اقرأ أيضا
الإعلامية الجزائرية د. كريمة الشامي الجزائري تكتب لـ «30 يوم» : الإحباط من مصدر ضعف إلى دافع قوة