الأديبة السورية هيام سلوم تكتب لـ «30 يوم» : جزداني والوطن…!

على إشارة المرور،
توقفتُ أمام أعين السلطة،
والهواء مشحون بصرخة السيارات،
والأضواء تلمع كعيون المراقبين.
مرّر الشرطي جهازه بيديه،
كأنه يمسح السطور السرية على جسدي،
انتشل جزداني،
وأخرج بضع وريقاتٍ من شجر الغار،
تحمل رائحة الأرض،
والذاكرة،
والأحلام الصغيرة.
قال: “ما هذا؟ ممنوعات؟”
قلتُ: “أوراق الغار…
أشمّ بها رائحة الوطن،
أسترجع طفولتي على أطراف الطريق،
أحسُّ دفء البيوت القديمة،
وأنفاسَ الأحبة الغائبين.”
ردّ: “أنتِ تتعاطين الحشيشة؟”
طلب أن يصادر أوراق الغار،
ليتحقق من صدق ما أقول،
صرخ كصوت الرعد: “ممنوعات؟”
قلتُ بصوتٍ يرتجف من الحنين:
“لا… من رائحة الوطن إنها الذكريات.”
سألني عن زمرة دمي،
عن انتمائي السياسي،
عن ديني!
كأنّ سؤاله كفّ حديدٍ على صدري،
كأن كل كلمةٍ صادقة تُفكها السلطة.
قلت له:
لم أدخل حزب الصبيان،
لم أحمل أفكاراً مأجورة،
لم أزر مقاهي الخذلان،
لم أرسم خطايا على الجدران.
لم يصدّقني،
مزق أكمامي و جزداني،
لم يجد فيه تحفاً أو آثاراً،
ولا عملات نقدية،
ولا كبتاكون، ولا أفيون،
ولا مسدساً كاتم الصوت،
ولا سكين غدر،
فصمتُ الأمانة في داخلي كان كافياً،
لكنه لم يُعجب المراقب.
فتشني شرطي آخر،
أخرج علبة عطرٍ باريسي،
قال “ممنوعات!”
قلت: “من مولات الدولة…”
من يُقنع هذا الشرطي
أنني لم أحمل في جزداني سوى وطني؟
أن كل شيء فيه طهرٌ،
وأن القانون كان دليلي،
والشرف حزامي،
والحرية نبض قلبي؟
كل ورقة غار،
كانت حكاية عن الوطن،
عن الحب، عن الرحيل، عن العودة،
عن الأطفال الذين لم يركعوا.
عن الجبال التي وقفت صامدة،
وعن البحار التي حملت الأماني
إلى أراضٍ لم تُكتشف بعد.
السلطة تمزق،
لكن الروح لا تُمزّق،
اليد تحقق ،لكن الذاكرة لا تُسلب،وحب الوطن يبقى خالداً.
مثل شجر الغار.
مثل حلم صغير في جزداني.