الأديبة السورية هيام سلوم تكتب لـ «30 يوم» : اعصف أيها القدر

اعصف أيها القدر…
فالقلوبُ مثقلةٌ بقصصٍ قديمة،
تتكدّسُ الأخبارُ فيها ككتبٍ صفراء،
لا تقرأها العيون إلا بدموعٍ ملحٍ،
ولا تحفظها الذاكرة إلا بآهاتٍ تتوالدُ في صمت الليل.
اعصفْ…
واسقِ قلوبَ الثكالى جرعةً من سكينة،
كي ينام الحزنُ ساعةً في أحضانهم،
وتتنفّس أرواحهم ريحًا باردةً كالندى،
بعد أن أنهكها لهبُ الفقد.
اعصف…
وازرع شتول المحبة في صحراء النفوس،
لتزهر الوجوه بشرًا،
وتتحوّل اليد الممدودة بالحقد
إلى يدٍ تزرع قمحًا وتوزّع خبزًا.
اخبز للجائعين سنابلَ ذهب،
وأشعل تنور القرية،
كي يتوزّع الدفء في الطرقات
كما يتوزّع العطر من حديقة أزهار.
اعزف على وتر الوجع لحنًا،
لكن اجعله لحنًا يليق بالنهار،
فكل وترٍ يبكي قد آن له أن يغني،
وكل صوتٍ ينوح قد آن له أن يتعالى
كجوقة ملائكة تهدهد جراح الأرض.
اقرأ صحائف بيضاء على البشرية،
صحائف تُقتلع منها جذور الكره،
ويُجتثُّ من بين السطور شوك البغضاء،
وتُزرع بدلاً عنها أشجار عناق،
تمدّ أغصانها في كل الجهات،
وتظلّل الكائنات من وهج القسوة.
اعصفْ، فقد مللنا القيود،
سئمنا الأغلال الثقيلة على الأرواح،
تعبنا من جمودٍ يأكل فينا الأمل
كما تأكل النارُ أطراف الحطب اليابس.
اعصفْ…
فالشوق كبير إلى غيومٍ حبلى بالمطر،
تتدحرج من رحم السماء،
وتغسل وجوه الأطفال من غبار الخوف،
وتزرع في عيونهم برقًا من ضحكٍ لا ينطفئ.
اعصفْ بمعراجك إلى سماواتٍ عليا،
وكن شعاعًا يبدّد ليل الأرض،
مزّق ستائر الظلام المترامي،
وحوّلها إلى أقمشة بيضاء
تُخاط منها أشرعةٌ جديدة
لسفنٍ تبحث عن مرافئ النجاة.
اعصفْ…
واجعل من هبوبك عرسًا للنور،
وليمةً للهداية،
فيمدّ الناس أيديهم بالحب لا بالسيوف،
ويرقص العالم لأول مرة
على أنغام الحرية،
تحت قوس قزح من وعدٍ لا يخون.
اعصفْ…
فالأرض عطشى إلى مطرٍ يطهّر،
والأرواح تتضور إلى سلامٍ يبقى،
والإنسان، يا أيها القدر،
ما زال يحلم رغم العواصف.