الأديبة السورية هيام سلوم تكتب لـ «30 يوم» : مات الإنسان …

اعتقل ملك من ملوك العرب رجلاً من إحدى القبائل ، فجاءت قبيلته بشيوخها و وفرسانها تسأل عنه وتفديه.
فقال الملك لتلك الحشود الضخمة :
من هذا الرجل الذي جئتم جميعآ لأجله وللشفاعة فيه ؟
فقالوا بصوت رجل واحد….
هو مليكنا أيها الملك !
فقال : لما لم يخبرنا عن نفسه ويكشف عن هويته !؟
فقالوا : أنف أن يذل نفسه أمامك بمنصبه ومكانته بين قومه فأراد أن يريك عزته بقومه !
فأطلقه الملك على الفور معتذراً.
و بعد أيام جاءه خبر أن ذلك الرجل ماهو إلا راعي الإبل عند تلك القبائل ، فأرسل لهم الملك يستفسر مندهشاً ومستغرباً مما صنعوه!!
فجاءه الرد منهم :
{ لا أمير فينا إن ذَلَّ راعينا }
العبرة …
لا خير في قوم ضاع فيهم حق ضعيفهم.
ما يحدت في عالمنا العربي يندى له الجبين منذ الخليقة لم نسمع إلا صوت الظلم والقتل وقعقة السيوف و صوت الرصاص والحروب وطوابير الانتظار على مخابز الفقر والقهر.
من زمن لم نسمع صوت الحق بل سمعنا أنينه وهو يذبح في الهواء الملوث بدخان الحقد .
لم أشاهد إلا أسماء الشهداء تعرض في شريط الأخبار خبر عاجل.
ضجيج في كل مكان في الرأس وعلى الشطآن ضجيج يغتال صوت الحكمة والأقلام ضجيج النعيق والتصفيق.
أجساد تحمل رؤساً مدججة بالوهم والجهل ولا سبيلَ للخروج والعبور من وادي الظلمات الذي نتخبّطُ به .
و سنشفى من أدران فتكُت بالعقول.
وباتت الحياة تعج بالنفوس الخَرِبَةو المريضة في مجتمعاتنا المتهالكة.
لماذا لا نقتدي بدول كانت تحت الأنقاض ونهضت هُزمت اليابان في الحرب العالمية الثانية وفي أقل من خمسين عاماً انتقمت من العالم بالعلم والتقنية.
في سنغافورة البلد الذي بكى رئيسه ذات يوم لأنه رئيس بلد لا توجد فيه مياه للشرب ..!!
اليوم يتقدم بلده على اليابان في مستوى دخل الفرد .
حتى أثرياء العالم لم يعودوا أصحاب ثروات طبيعية
وإنما أصحاب تطبيقات بسيطة على جوالك .
أيها الواهم بأن لديك ثروة ستجعلك في غنى دون الحاجة إلى عقلك.
دع عنك أوهامك فلا ثروة مع عقلية الثور والجهل والعماء.
ولم نستطع أن نستثمر في الإنسان الذي هو الاستثمار الناجح والأكثر ربحاً .
ضجيج يملأ الرأس كأننا في سوق شعبي للباعة كل يصرخ بأعلى صوته عارضاً بضاعته.
تطور العالم الغربي وبقينا نحن في الشرق الذي لم يشرق بالأمل والعمل بل ظل يتخبط .
العالم كله يخطو نحو الأفاق.
وشعوبنا العربية ما زالت تقتتل يأكلها الجهل والفراغ مازال فيها الأغبياء يسألونك عن مذهبك أوعقيدتك.
هل أنت سني أو شيعي أو علوي أو مسيحي.
الإنسان يغرق ويموت على تخوم خرائط ممزقة كأنه على شفا جرف هش من الطين .رؤؤس متخمة بالجهل فارغة حد الذهول..
ترتدي قبعات الفكروثيابا من صدأ الواقع .
كل العقلاء يتوقون لواقع أكثر صحة ووعيا هل هذا يعتبر حلما طوباوياً صعب أن نعيشه بعد ان وصلنا الى هذه المرحلة من الانحدار القيمي الأخلاقي..
لا أعلم…؟؟
.عندما سُئل عالم النفس والكاتب، إريك هوفر
ماهو أفيونٌ الشعوب؟
أجاب :
“الفكر الذي يأمر الناس بالصبر على الظلم دون رفضه
و القناعة بالفقر دون مكافحته
و الرضا بالواقع المزري دون محاولة تغييره
هو أفيونٌ للشّعوب “.