توبكُتّاب وآراء

حمدي رزق يكتب : لا اجتهاد مع نص المحكمة الدستورية

القاعدة الفقهية المستقرة «لا اجتهاد مع النص»؛ وتعنى أنه لا يجوز الاجتهاد فى حكم شرعى عندما يكون هناك نص قطعى الثبوت والدلالة من القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة. بمعنى آخر: إذا وجد دليل شرعى واضح وصريح فى القرآن أو السنة حول مسألة ما، فلا مجال للاجتهاد فى هذه المسألة لابتداع حكم جديد أو مخالفة النص. وتنسحب القاعدة بنصها على أحكام المحكمة الدستورية، لا يجوز الاجتهاد فى حكم دستورى عندما يكون هناك نص صادر عن المحكمة، نص قطعى الثبوت والدلالة (تشبيها). ما انتهى إليه حكم المحكمة الدستورية الصادر فى التاسع من نوفمبر ٢٠٢٤، بعدم دستورية الفقرة الأولى من كل من المادتين (٢،١) من القانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١ فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، والمتضمن عدم دستورية ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص فى إقامتها لأغراض السكنى اعتبارًا من تاريخ العمل بأحكام بالقانون رقم ١٣٦ لسنة ١٩٨١. أمام نص (حكم) قطعى، ينصب فحسب على تحرير وتحريك الأجرة السنوية (القيمة الإيجارية)، ولم يذهب البتة إلى مادة مبتدعة، دخيلة على الحكم، تعمد إلى إخلاء المسكن بعد فترة انتقالية!! الحكم الصادر من المحكمة الدستورية عام ٢٠٠٢، نص على قصر امتداد عقد الإيجار على المستأجر وزوجته وأبنائه بشرط الإقامة الفعلية ولـ(جيل واحد) بعدها تعود العين لمالكها.

إذن، من أين استجلبت الحكومة مادة الإخلاء والمدد الانتقالية بين خمس وسبع سنوات، ولمن تنسبها، ومرجعيتها الدستورية إذا كان حكم المحكمة الدستورية المستوجب تنفيذه فى اليوم التالى لانتهاء دور الانعقاد التشريعى العادى الحالى لم يقل بهذا ولم يشر إليه من قريب أو بعيد..

النص واضح جلى، ومكتوب بدقة دستورية، ويسد الذرائع، ويقدم المصلحة، ويتسق مع قاعدة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)، وهى قاعدة استنبطها العلماء من الأدلة الشرعية، فكون الإنسان يدرأ المفسدة أعظم من كونه يجلب المصلحة التى يتخيلها ويظنها، وعلى الحكومة الموقرة أن تدرأ مفسدة الإخلاء، وتمتثل لحكم الدستورية مرتين: مرة بتحريك القيمة الإيجارية على نحو عادل ومتوازن كما وجه السيد الرئيس، وأن تقر قاعة امتداد عقد الإيجار حال تحريكه لـ(جيل واحد) امتثالًا لحكم الدستورية، وعلى المتضرر من الملاك اللجوء للدستورية مجددًا للحصول على رخصة الإخلاء. تدخل الحكومة على النص الدستورى بجسارة سياسية لن يجلب رضاء شعبيًا كما يتصور المتحمسون للقانون، ولن يحوز رضاء المستأجرين، عاديين أو أصحاب مهن، يسكنون محال لتقديم الخدمات ومنها الخدمات الطبية «عيادات ومراكز تحاليل وصيدليات».

المحكمة الدستورية فى حاصل جمع ما صدر عنها بخصوص العلاقة الإيجارية قطعت بـ(جيل واحد) امتدادًا، ولم تترك مساحة للاجتهاد. مشروع قانون الإيجار القديم بصورته التى يناقشها مجلس النواب على وجهين: وجه مقبول ودستورى تمامًا، تحريك الأجرة سنويًا، ووجه مرفوض دستوريًا تحديد مددا للإخلاء بعيدًا عن قاعدة (جيل واحد). حسب الحكومة، يكفيها وربنا يقدرها على تحريك الأجرة السنوية، والأجرة تتغير بتغير الأحوال والأزمنة والأمكنة، وهذا يحتاج إلى حكومة ذات بأس شديد، ولتترك المدد لأحكام الدستورية تنظمها وفق قاعدة «لا اجتهاد مع النص الدستورى». القانون الجديد منحة للملاك، لا تحولوها إلى محنة للمستأجرين.. والبلد مش ناقصة تشظى واحتراب، ودرء المفسدة مقدم على جلب المنفعة لو تعلمون.

نقلا عن المصري اليوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى