صالح شلبى يكتب لـ «30 يوم» : صرخة على فنجان قهوة من صحفي بالمعاش إلى الرئيس السيسي

جاءني صديقى ، زميل العمر والقلم، صحفي قديم، عاشق للحبر والرصيف والبندقية، رجل كتب للحقيقة حتى نسي أن يكتب لنفسه شهادة تأمين على الحياة، دخل عليّ مكتبي كما لو أنه خارج من مشهد في فيلم أبيض وأسود، بملامح مكرم محمد أحمد، وروح صلاح جاهين لما كان حزين أو غاضب، طلب فنجان قهوة سادة، وقال من غير سكر، عشان السكر بقى رفاهية، وبصراحة ما بقاش في حاجة تستاهل التحلية.”
أشعل سيجارة، ثم أخرى، ثم ثالثة! كاد الدخان يكتب مقاله بداله، لولا أن الحزن كان أسرع من الدخان، سألته: “مالك؟” ردّ وهو بيضحك ضحكة باكية،أنا كنت بكتب عناوين تشيل بلد، دلوقتي المعاش بتاعي مش شايل كيس عدس!” قالها، وسكت كأنه بيحضّر لنعي روحه، قالها وكأنه اعتذر للحياة إنه صدّق إنها هتكرّمه في شيخوخته.
معاشي ٣٠٠٠ جنيه بعد ٣٦ سنة خدمة
٣٦ سنة شقيان، بأجري ورا وزير، وورا ميزانية، وورا الحقيقة، دلوقتي الحقيقة هي إني بأجري ورا كيلو لحمة، وزجاجة زيت ، أنا مش طالب عربية، ولا شاليه في مراسي، أنا طالب أعيش، مش أكتر.
قال لي، زمان كنت بحلم أخرج على المعاش وأرتاح، دلوقتي باصحى مفزوع من النوم وأنا بحسب أنا فين؟ في بيت؟ ولا في صالة انتظار على باب الله؟”
الحكومة شايفانا “عبء”
كأننا لما بلغنا سن المعاش بقينا “عواجيز الفرح”، عبء على الميزانية، وصداع في دفتر الدولة، للأسف نسيت الحكومة إن إحنا اللي كتبنا، وإحنا اللي علّمنا، وإحنا اللي كنا بنسخّن لهم الميكروفونات قبل كل مؤتمر!
قال لي بنبرة مشروخة
إحنا دلوقتي بنمشي في الشوارع وكأننا عابرين سبيل، حتى الجيران بطلوا يسألوا علينا، كأن الدولة أعلنت وفاتنا على مراحل، واحنا بنعيش جنازتنا كل يوم على البطيء.”
العلاوة؟
ضحك، وقال: لما الحكومة قالت فيه علاوة ١٥٪ فرحت، قلت أخيرًا هنشتري مروحة لمواجهة ارتفاعات درجات الحرارة ، طلعت العلاوة ٤٥٠ جنيه! يعني بالضبط تمن علبة دوا الضغط، ونُص كشف عند دكتور بيقول لي (مالك؟) وأنا مش عارف أرد!”
إحنا أصحاب المعاشات مش مومياءات!
لسنا ماضيًا في متحف، ولا ذكرى على رف، إحنا ناس، بنحس، بنعيش، وبنموت بالبطيء،كل يوم بنعد كام بيضة في التلاجة، وكل أسبوع بنقفل النور بدري علشان الفاتورة، وكل شهر بنقعد نحسب إحنا هنسيب إيه لولادنا؟ ولا هنسيبهم يدفعوا فاتورة عمر إحنا اللي عشناه؟
قال لي،مرة بنتي سألتني بابا كنت بتشتغل إيه؟ قلت لها: صحفي! قالت لي: يعني بتقبض زي الممثلين؟ ضحكت،وقلبي اتقطع، قلت لها لأ يا بنتي، إحنا بنمثل دور الحياة، بس من غير أجر.”
وتابع بأسى:
إحنا يا أستاذ اتحرمنا من الحوافز والمكافآت طول عمرنا، ورضينا بالمعاش ، لكن دلوقتي، الموظف اللي لسه متعين بياخد ٧ آلاف جنيه كحد أدنى، بالإضافة إلى حوافز وبدلات ومكافآت، وإحنا معاشنا ثابت وكأننا خرجنا من الخدمة وخرجنا من الحياة معاها!”
يا حكومة انتى فين من الدستور
وقال صديقى اين الحكومة من الدستور المصرى فى مادتة 27 التى تنص على إقرار حد أدنى للأجور وأصحاب المعاشات فى نص واحد، ومع ذلك قامت الحكومة بإقرار الحد الأدنى للعاملين، وتغافلت عن تنفيذ ذلك مع أصحاب المعاشات، مخالفة بذلك ما نصت عليه المادة 53 من الدستور المصرى التى أكدت على عدم التمييز، وأكدت أيضاً على أن المصريين لدى القانون سواء، وأنهم متساوون فى الحقوق والواجبات، وأيضاً ما نصت عليه المادة 51 من الدستور المصرى، والتى ألزمت الدولة بالحفاظ على كرامة الإنسان المصرى وإحترامه وحمايته!”
رسالة إلى الرئيس السيسي
يا سيادة الرئيس، صوت صديقي ده مش صوته لوحده، ده صوت آلاف، ملايين يمكن، من اللي أفنوا عمرهم في خدمة بلدهم، وكانوا بيكتبوا، يدرّسوا، يعالجوا، ويحرثوا الأرض علشان بكرة، لكن بكرة جه، ومعاشهم ما جاش، إحنا مش طماعين، ولا حاسدين، إحنا بس مش عايزين نُدفن وإحنا عايشين، مش عايزين نمد إيدينا لولادنا، ولا نعيش على خصومات الجمعية، ولا نستنى صدقة في طابور العلاوة، احنا فقط بنطلب المساواة، بنطلب الكرامة، بنطلب الحياة، مش عايزين تمثال في الميادين، إحنا عايزين بس حياة كريمة.
نناشدك يا سيادة الرئيس، بكل ما في قلوبنا من وجع، أن تُعيد النظر في أوضاع أصحاب المعاشات، أن تساويهم بالموظفين الجدد في العلاوات، أن تُعيد إليهم كرامتهم وحقوقهم، فهؤلاء لم يطلبوا سوى أن يعيشوا كما عاشوا دائمًا: بشرف.
كلمة أخيرة لكل مسؤول
قبل ما تمضي على قرار زيادة ٤٥٠ جنيه،جرب تعيش بيهم يومين !اشرب بيهم قهوة سادة، كل بيهم فول من غير طحينة،ولمّا ولادك يسألوك بابا، فين المصيف؟”
قول لهم إحنا مصيفنا دلوقتي، في طابور عيش التموين وعلى أكشاك أمان..!!