إبراهيم الدراوي يكتب لـ «30 يوم» : غزة .. نوايا استعمارية جديدة يقودها ترامب وإبادة إسرائيلية ينفذها نتنياهو

في سياق جولته الخليجية الأخيرة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن رؤية تفاؤلية لقطاع غزة، واصفا القطاع بأنه سيتحول إلى «منطقة حرية»، تحت سيطرة الولايات المتحدة، مع وعود بمستقبل أفضل لسكانها.
تلك التصريحات الخادعة والبراقة على السطح، تكشف عن نوايا استعمارية جديدة تستهدف السيطرة على الأراضي الفلسطينية، فيما تستمر إسرائيل، بدعم أمريكي صلب، في تنفيذ مخططاتها لتدمير غزة وتهجير سكانها.
ترامب ونتنياهو
ورغم الخلافات العلنية بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن هذه التوترات تبدو سطحية مقارنة بالتحالف الاستراتيجي الذي يربط الولايات المتحدة وإسرائيل، مدعومة بتسريبات إسرائيلية تتهم ترامب بـ التجارة بالمصالح الإسرائيلية.
التسريبات الإسرائيلية المروجة للخلافات المعلنة تشير إلى أن ترامب يحصد نتائج التغييرات الإقليمية التي أعقبت هجوم 7 أكتوبر 2023، بينما يدير ظهره لنتنياهو، لكن تصريحات ترامب خلال جولته الخليجية جيدة جدًا لإسرائيل.
وتؤكد تصريحات ترامب، أن أي خلافات بين الطرفين لا تعدو كونها تكتيكات سياسية لتحسين صورتهما أمام الرأي العام، فإدارة ترامب، مثلا، لم تخطر إسرائيل مسبقًا بقرارات كعقد لقاء قائد السلطة السورية أحمد الشرع، أو رفع العقوبات عن سوريا، مما أثار استياء نتنياهو.
لكن هذه الخطوات لا تعكس انحيازًا ضد إسرائيل، بل محاولة أمريكية لإعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالحها الجيوسياسية، مع ضمان بقاء إسرائيل كحليف رئيسي، ويظهر تعهد «الشرع» بالتطبيع مع إسرائيل كجزء من صفقات ترامب الإقليمية، في هذا الشأن.
غطاء إعادة الإعمار
ترامب يستخدم القضية الفلسطينية كورقة مساومة رخيصة، تمهد لها إسرائيل عبر خطة هدم قطاع غزة وحشر سكانه في مناطق ضيقة، بدعم أمريكي ضمني، تشكل بحسب العديد من المنظمات الحقوقية والمحللين إبادة جماعية ممنهجة.
تقارير أخيرة كشفت عن تقديم الجيش الإسرائيلي معلومات مضللة حول وجود نفق تحت المستشفى الأوروبي جنوب غزة، زاعمًا أنه يقع في مدرسة قريبة في جنين، وهو ما يعكس محاولات إسرائيل لتبرير استهداف البنية التحتية المدنية.
هذه الأكاذيب ليست جديدة، بل جزء من استراتيجية إسرائيلية طويلة الأمد لشيطنة الفلسطينيين وتبرير جرائم الحرب. في الوقت نفسه، فإن تصريحات ترامب عن امتلاك غزة، وتحويلها إلى منطقة حرية، تثير مخاوف من مخطط استعماري جديد.
ويهدف المخطط الذي يقوده ترامب إلى نزع السيادة الفلسطينية وتحويل القطاع إلى محمية أمريكية-إسرائيلية، وهذه الرؤية، التي يروج لها ترامب كـ«مستقبل أفضل»، تتجاهل واقع القتل اليومي، التجويع، والتهجير القسري الذي يعاني منه الفلسطينيون، بواسطة القوات الإسرائيلية.
مقاومة وصمت دولي
وبدلًا من تقديم حلول حقيقية، يبدو أن ترامب يسعى لاستغلال معاناة غزة لتعزيز نفوذه السياسي في المنطقة. وفي ظل هذا الواقع المأساوي، يواصل الفلسطينيون مقاومتهم الباسلة ضد الاحتلال الإسرائيلي والسياسات الأمريكية الداعمة له.
هجوم 7 أكتوبر 2023، الذي كان تعبيرًا عن رفض الفلسطينيين للظلم المستمر والحصار الخانق على غزة، لكن إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، ردت بحملة عسكرية وحشية أسفرت عن عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، معظمهم من النساء والأطفال.
المعارضة الإسرائيلية نفسها، التي انتقدت نتنياهو بشدة، وصفت جهوده لإفشال مبادرات السلام بأنها «فشل مدوٍ، سيُسجل في صفحات العار»، هذا الانتقاد، رغم أهميته، يظل محدودًا في ظل غياب ضغط دولي حقيقي على إسرائيل.
الدول الأوروبية، التي أصدرت بيانات متكررة تدين التصعيد الإسرائيلي، فشلت في اتخاذ إجراءات ملموسة مثل فرض عقوبات أو قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وهذا الصمت المخزي يعزز شعور الفلسطينيين بالعزلة، فيما يواصلون صمودهم في وجه آلة الحرب الإسرائيلية.
لا حل لأزمة الأسرى
مع اقتراب نهاية زيارة ترامب للمنطقة، تصاعدت مناشدات أهالي الأسرى الإسرائيليين لكل من نتنياهو وترامب للوصول إلى انفراجة في ملف الرهائن. هذه المناشدات، رغم إنسانيتها، تتجاهل معاناة آلاف الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية.
يتعرض هؤلاء للتعذيب والإهمال الطبي، والعالم، كما أشار أهالي الأسرى، يراقب، والتاريخ لن ينسى. لكن التاريخ لن يغفر أيضًا للولايات المتحدة وإسرائيل، اللتان تتحملان المسئولية الأساسية عن استمرار هذه المأساة.
تصريحات ترامب عن «امتلاك غزة» ليست سوى محاولة لإعادة صياغة الاحتلال الإسرائيلي بلغة إنسانية زائفة، في المقابل، فإن السياسات الإسرائيلية المستمرة في تدمير غزة، بدعم أمريكي لا يتزعزع، تكشف عن وجه الإمبريالية الحقيقي.
الفلسطينيون، رغم كل الآلام، يواصلون نضالهم من أجل الحرية والكرامة، مدعومين بصوت الضمير العالمي الذي يرفض الصمت أمام الإبادة الجماعية. العدالة لفلسطين ليست مجرد شعار، بل مطلب إنساني عاجل يتطلب من العالم التحرك الآن قبل أن يسجل التاريخ فشلًا جماعيًا جديدًا.
اقرأ أيضا