خالد إدريس يكتب لـ «30 يوم» : التوعية الرقمية أمن قومي

يسألونك عن مواقع التواصل قل فيها إثم كبير ومنافع أحياناً، وإثمها أكبر من نفعها ، قد تضر ولا تنفع ، تسلي ولا تشفع ، بعض الكلام لا يسمن ولا يغني من معرفة ، ترديد بلا وعي ، المهم السبق وهوس الترند وما أدراك ما الترند ، سباق محموم عن حدث مشئوم أو معلومة زائفة تفضي إلى شائعة تنعكس سلباً على المجتمع .
في عصر السرعة والرقمنة، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياة الأفراد، بل وتحولت إلى المصدر الأول للمعلومة والرأي العام، متقدمة على الصحافة التقليدية ووسائل الإعلام الرسمية. ولكن، هذا الانفتاح الرقمي الهائل لم يخل من سلبيات قاتلة، خاصة عندما تسللت الفتن والشائعات إلى عقول غير مدركة لخطورة الكلمة وتأثيرها.
لم تعد الشائعات تخرج من المقاهي أو الدكاكين كما في الماضي، بل أصبحت تنتشر بسرعة البرق عبر تطبيقات مثل “فيسبوك” و”تويتر” و”تيك توك”، وتلقى آلاف المشاركات والتعليقات قبل أن يُدرك البعض أنها محض أكاذيب أو أخبار مفبركة. الكارثة الكبرى أن كثيرًا من مستخدمي هذه المنصات يشاركون ما يصل إليهم دون وعي أو تحقق، فيساهموا دون قصد في ترويج أخبار مغلوطة قد تثير الذعر أو تؤجج الصراعات المجتمعية والطائفية.
لقد أصبحت مواقع التواصل مرتعًا لصفحات مأجورة ومجهولة الهوية، تحترف الاصطياد في المياه العكرة، وتوظف التكنولوجيا في تضليل الشعوب، وزرع الفتن، وضرب النسيج الوطني في مقتل. وكم من فتنة اشتعلت من مجرد “بوست” غير مسؤول، وكم من معلومة كاذبة هزّت ثقة الناس في مؤسساتهم، أو شغلت الرأي العام في قضايا مفتعلة لصرف الانتباه عن ما هو أهم وأخطر.
غياب الوعي الرقمي، وسهولة تزييف الصور والفيديوهات، وتحكم الخوارزميات في ما نراه ونسمعه، كلها عوامل ساهمت في تحويل الفضاء الرقمي من ساحة نقاش حر إلى “حلبة فتنة” وسلاح يُستخدم للإضرار بالأمن القومي، وتأليب الناس على بعضهم البعض، أو على مؤسسات الدولة.
من هنا، تبرز الحاجة إلى تضافر الجهود بين الدولة والمجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية والتعليمية، لتكثيف حملات التوعية الرقمية، وتعليم الأجيال كيف يتعاملون مع المعلومات، ويتحققون من صحتها، قبل نشرها أو تصديقها. كما يجب سن تشريعات أكثر صرامة لمواجهة الحسابات المزيفة ومنصات الفتنة، ودعم الإعلام الوطني المهني المسؤول، القادر على تقديم المعلومة الموثقة وتحليل الأحداث بعيدًا عن الإثارة والتضليل.
علينا أن ندرك أن التكنولوجيا في حد ذاتها ليست شرًا، ولكن استخدامها الخاطئ من قبل بعض الأفراد هو ما يجعلها خطرًا داهمًا. فالكلمة، حين تخرج دون وعي، قد تقتل أو تدمر أو تشعل حربًا، خاصة في زمن اللاحدود واللاقيود.
Khalededrees2020@gmail.com
اقرأ أيضا
خالد إدريس يكتب لـ «30 يوم» : الإعلام بين المهنية والانفلات