الباحثة رانيا عاطف تكتب .. لمن المستقبل؟
في ظل التقدم العلمي والتكنولوجي المتسارع وعصر الذكاء الاصطناعي الذي يعيشه العالم الآن نجد هذا السؤال يفرض نفسه على ساحة الفكر: لمن المستقبل؟
أدركت مصر أهمية هذا السؤال حيث رأت أن المستقبل سيكون لمن يتقن مهارة التعامل مع وسائل التكنولوجيا الحديثة، مع تعلم كيفية توظيف العلوم النظرية والفنون توظيفًا واقعيًا يُمكّنه من مواكبة تطورات العصر المختلفة، وفي الوقت الذي تسعى فيه الدولة لتحقيق نهضة حقيقية أدركت أنه لا يمكن لأي دولة أن تتقدم أو تنهض إلا بتقدم التعليم فيها، وذلك من خلال اعتماد نظام تعليمي حديث، ولن يتحقق ذلك إلا بإعادة النظر في نظام التعليم القائم، والمادة العلمية المقدمة للطالب بدءًا من مرحلة رياض الأطفال وحتى تخرجه من الجامعة، فأخذت وزارة التربية والتعليم المصرية هذه المسؤولية على عاتقها، وبدأت بخطوة تطوير التعليم في مصر في سبتمبر 2018م من خلال خلق “نظام تعليم جديد” بدأ بمرحلة رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي وأخذ ينتقل من مرحلة لمرحلة ليحل محل نظام التعليم القديم.
اقرأ أيضا : رانيا عاطف تكتب .. القيم .. وعلاج المشاكل
حرص القائمون على هذا النظام التعليمي الجديد على تطوير نظام التعليم من جوانب متعددة أهمها:
– تغيير كافة المناهج الدراسية بحث تضمنت المناهج الجديدة قدرًا كافيًا من المهارات التكنولوجية التي تناسب المستوى الفكري للطالب في هذه المرحلة العمرية، كما تضمنت أيضًا جانبًا من التفكير الناقد الذي يعد –من وجهة نظر كاتبة هذه الأسطر- النواة الأولى للتفكير السليم.
– تغيير معايير تقييم الطلاب لتناسب طبيعة المناهج الجديدة بحيث أصبحت معايير التقييم الجديدة تقيس قدرة الطالب على الفهم وتوظيف المعلومة المكتسبة توظيفًا صحيحًا بدلًا من معايير التقييم القديمة التي كانت تقيس قدرة الطالب على الحفظ واسترجاع المعلومات، ورغم محاولة وزارة التربية والتعليم استبدال معايير التقييم الجديدة بالمعايير القديمة إلا أنه يمكن القول بأن الأسئلة التي تستوجب الفهم مازالت لم تأخذ حقها بالقدر الكافي كأحد أهم معايير التقييم في نظام التعليم.
ونظرًا لكون الطلاب وكذلك أولياء الأمور قد اعتادوا على أساليب التقييم القديمة حيث سادت نظام التعليم في مصر لسنوات طوال فلم يكن من السهل أن يتقبل بعض الطلاب وبعض أولياء الأمور هذا النظام التعليمي الجديد الذي لا مكان فيه لطالب ظل يعتمد الحفظ وسيلة لتعلمه واجتياز اختباراته، وعندما لم تستطع بعض الأسر التكيف مع نظام التعليم الجديد فأخذت تبحث عن نظام تعليم يلائم ما اعتاد عليه الطلاب منذ بدء تعليمهم، وقد وجدوا مبتغاهم في التعليم الأزهري، ومن ثم بدأت هذه الأسر بتغيير مسار أبنائهم من التعليم العام للتعليم الأزهري، حيث أنه رغم جودة المناهج الأزهرية وثرائها العلمي والمعرفي بالعلوم الشرعية إلى جانب العلوم الثقافية ورغم انتقاء المادة العلمية المقدمة للطالب الأزهري بمستوى فائق الدقة في جميع المقررات الدراسية إلا أن الأزهر الشريف مثله مثل -بعض المراحل التعليمية التي لم تدخل بعد ضمن نظام التعليم الجديد، وكذلك بعض الجامعات التي مازالت تعتمد النظام القديم في تقييم الطلاب-، مازال يعتمد نظام التقييم القديم الذي يقيس قدرة الطالب على حفظ المعلومة واسترجاعها بدلًا من نظام التقييم الحديث الذي يقيس قدرة الطالب على فهم المادة العلمية المقدمة له خلال فترة دراسية معينة سواء فصل دراسي منفصل أو عام دراسي بأكمله.
لاشك أن هناك مقررات أزهرية تتطلب الحفظ ولكن لابد أن يصاحبه فهم وتدبر مثل القرآن الكريم والحديث الشريف؛ لذلك لابد مع الحفظ إن وجد من إعمال العقل، فلا مانع أن يحل الفهم والإستيعاب محل الحفظ والاسترجاع في التعليم الأزهري، وهذا ما حث عليه القرآن الكريم في قول الله تعالى: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليتدبروا آياته، وليتذكروا أولوا الألباب)، سورة: ص، الآية:،29.
إذن رغم جودة المناهج الأزهرية ما أجمل تقبل تغيير معايير تقييم الطلاب أسوة بنظام التعليم الجديد في التعليم العام، ليتخرج جيل قادر على إعمال عقله، مواكب لتطورات عصره، قادر على مواجهة تحدياته، ومؤهل لدخول سوق العمل بما لديه من قدرات ومهارات حديثة تُمكّنه من تحقيق ذلك، ومن ثم يكون قادرًا على نفع نفسه، وأداء رسالته تجاه دينه ووطنه.
كاتبة المقال / رانيا عاطف – باحثة دكتوراة فلسفة بكلية الآداب – جامعة المنيا