كُتّاب وآراء

يوسف عبداللطيف يكتب : العودة إلى 2010 حلم الهروب من اقتصاد الحرب!

كم نحن نحتاج اليوم إلى قرار جريء يعيد الزمن إلى الوراء، ليس فقط لنغير عقارب الساعة في التوقيت الشتوي، بل لنعود جميعًا إلى عام 2010. كم كان رائعًا أن نعيش تلك اللحظة الزمنية التي كانت فيها الحياة أبسط، والجمهورية مختلفة، والأمل أكبر.

دعونا نواجه الحقيقة المرّة : نحن الآن نعيش في أجواء تشبه أجواء “نكسة 67″، بل ربما أسوأ نعم، هذا هو شعور كثيرين منا اليوم. فكيف لا نشعر بذلك، ونحن نرى الاقتصاد يتهاوى كاقتصاد حرب بلا رؤية واضحة، وقرارات تُتخذ وكأننا في حالة طوارئ دائمة؟ ما الذي نعيشه الآن سوى نُسخة مكررة ولكن أشد وطأة من الاقتصاد الذي عاشته مصر بعد هزيمة 1967؟

تخيلوا لو أننا فعلاً استطعنا العودة إلى عام 2010، تلك الفترة التي كنا فيها نعتقد أن كل شيء ممكن، وأن المستقبل أمامنا مشرق مهما كانت التحديات. لكن للأسف، اليوم نعيش في جمهورية مغايرة تمامًا؛ جمهورية مليئة بالقيود والتقشف والإحباط. الأمور اليوم مختلفة.

لم نعد نتحدث عن بناء الدولة وتطويرها، بل أصبحنا نتحدث عن كيفية النجاة وسط انهيار اقتصادي. والمثير للسخرية أن هذا ليس بجديد على مصر، فقد سبق أن مررنا بفترات اقتصادية حرجة، لكن الفارق الجوهري أن اليوم لا نرى بارقة الأمل ذاتها التي كانت موجودة في الماضي.

في الفترة من 1967 وحتى 1973، عندما تم الإعلان عن “ميزانية المعركة” لتعبئة الاقتصاد الوطني لدعم الجيش، كان الهدف واضحًا: تحرير الأرض وإعادة بناء الدولة بعد هزيمة مذلة. لكن الآن، نعيش في اقتصاد حرب مرة أخرى، مع فارق مرعب : لا توجد معركة واضحة نخوضها، ولا أمل قريب في نهاية هذا الصراع الذي يبدو غير محدود.

فما الهدف من الاقتصاد الذي نعيشه الآن؟ هل نحن في معركة لاستعادة شيء ضائع؟ أم أننا ببساطة نخوض حربًا ضد أنفسنا، ضد طموحاتنا وآمالنا التي أصبحت ضحية لهذا الاقتصاد المنهار؟

لا يوجد أحد هنا لينكر أن الدولة تواجه تحديات جسيمة، لكن ما يزيد الطين بلة هو الطريقة التي يُدار بها هذا الوضع. كل قرار يُتخذ يبدو وكأنه رد فعل لأزمة، لا خطة طويلة المدى. وعندما ننظر إلى التاريخ، نجد أن مصر في السبعينيات كانت تعمل تحت ضغوط الحرب، لكن كانت هناك رؤية واضحة: كنا نعلم ما نحارب من أجله. اليوم، نحن ندور في دوائر، نتخذ قرارات متخبطة بدون رؤية، وكأننا في معركة لا نعرف فيها العدو من الصديق. والأسوأ من ذلك، أن اقتصاد الحرب اليوم لا يركز على تعبئة الموارد لتحرير الأرض أو بناء شيء جديد، بل يركز على النجاة من أزمة إلى أزمة، كمن يحاول البقاء على قيد الحياة في عاصفة لا نهاية لها.

نعم، كنا في عام 2010 نحلم بمستقبل أفضل، وكنا نظن أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح. اليوم، نتذكر تلك السنوات وكأنها كانت عصرًا ذهبيًا، لأن ما نعيشه الآن أشبه بكابوس. نعيش في اقتصاد حرب، ولكن ليس حربًا تحررية، بل حربًا ضد واقع مؤلم يجعلنا نتمنى لو أن الزمن عاد للوراء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى