عادل القليعي يكتب .. هل سؤالنا من أجل السؤال؟!
حقيقة لا يمكن إغفالها أو إنكارها أو تجاهلها ، ألا وهي أن الفلسفة ما هي إلا إثارة التساؤل ، لماذا ؟!
إعمالا للعقل فجوهر البحث الفلسفي محاولة الوصول إلى الحق وإلى اليقين المعرفي الذي تطمئن معه وإليه العقول والتي يشعر الإنسان وقتها أن نشاطه الذهني والعقلي لم يضع هباءا منثورا.
لذا كان السؤال هو دأب وديدن الإنسان منذ أن خلقه الله تعالي، وجاءت الفلسفة لتهذيب هذه التساؤلات ومنطقتها بمنطق العقل حتى لا يقع الإنسان فريسة الأوهام والظنون.
ومن التساؤلات العملاقة التي حاولت الفلسفة الإجابة عليها سواء الفلسفة العامة أو الإسلامية أو الحديثة والمعاصرة أو اليونانية ، ثلاثة تساؤلاتك رئيسة من الممكن أن تنبثق عنها تساؤلات فرعية.
السؤال الأول
حقيقة الألوهية ويتضمن ما حقيقة الإله ، هل يوجد إله ، وإذا ما وجد فما أدلة وجوده ، وما حقيقة ذاته وعلاقاتها بصفاته ، وهل هو إله واحد أم تعددية الإله.؟!
وهذه تساؤلات مهمة يثيرها العقل في ما يعرف بمبحث الألوهية.
أما السؤال الثاني.
ما العالم وما الفرق بين الكون والعالم ، وهل مصطلح الكون أعم وأشمل من العالم ، العالم يندرج تحت الكون ، لماذا ، لأن ثم عالمان ما فوق فلك القمر “الله ، العرش ، الكرسي ، القلم ، الجنة والنار ، الصراط ، الميزان ، الملائكة ، وغيرها من القضايا الميتافيزيقية التي هي محل لتفكير الإنسان أو كما قال ايمانويل كانط محل للتفكير في الذهن لا محل للادراك ، كمعرفة قبلية، خلاف المعرفة البعدية المكتسبة التي يكتسبها الإنسان بالتعلم والدرس.
أما عالم ما تحت فلك القمر فهو العالم الفيزيقي الطبيعي ويشمل العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية ، فضلا عن العلوم العملية والنظرية وهي التي تقع تحت عين الإنسان والتي أوجدها الإله وفهمها للإنسان حتى تستقيم حياته وتتوفر له ما يشبع حاجاته البيولوجية والفسيولوجية والانثربولوجية، فالذي يخلق لا يترك هملا ، بل يخلق ويعتني وعنايته محيطة بكل شيئ.
السؤال التي تثيره الفلسفة وتحاول أن تجد له إجابة من خلال استقراء تاريخ الفكر الفلسفي منذ الطبيعيون الأوائل إلى عصرنا الحالي هل العالم حادث مخلوق ، أم قديم ، وإذا كان حادثاً فما العلة التي تسببت في وجوده ، هل المادة ، الماء ، الهواء، النار، التراب ، أم هذه العناصر مجتمعة، أم نشأ عن حركة الذرات التي تسبح في الخلاء وباجتماعها ينشأ الكون وبافتراقها يفسد الكون كما قال ديمقريطس.
ثم إذا كان قديما أى موجود منذ الأزل سيال متدفق عبر الزمكان ، فهل هو قديم بذاته أم قديم بالزمان ، أم قديم قدم الذات التي أوجدته ، وإذا كان ذلك كذلك فستنتفي عنه صفة القدم ، وإذا قلنا الإله قديم والعالم قديم إذن سيكون قديمين يتساويان في صفة القدم ، وهذا لا يقبله منطق العقل فلا يجوز بحال من الأحوال وجود إلهين وإلا سيحدث تعارض وتضارب بينهما في القدرة فلا يمكن أن يكون أحدهما قادر والآخر عاجز ، ولا يمكن تحقق مرادهما فإذا أراد أحدهما أحياء إنسان والآخر أراد إماتته فكيف يكون شخص متحيز في زمان ومكان حي ومائت في آن واحد ، وهذا هو سؤال للفلسفة الذي تحار فيه العقول.
أما السؤال الثالث.
ما حقيقة الإنسان ، وما الغاية من وجوده وخلقه ، وما مصيره ، وما قيمه الخلقية ، وما موقعه من نظرية التطور أو النشوء والارتقاء الداروينية وما أصله وفصله وجنسه ونوعه وخاصته.؟!
ثم جوهر التساؤل ما حقيقية النفس الإنسانية ، وما الفرق بينها وبين الروح وهل هي التي تسيطر على البدن أم الروح ، وهل قديمة أم حادثة ، وهل يمكن تعريفها وما أدلة وجودها وخلودها ،ثم يأتي السؤال الرئيس ما الجزاء ولماذا الجزاء ، وهل يقع ثوابا وعقابا على البدن والنفس أم يقع على النفس فقط ، وما حقيقة البرزخ وهل ثم حياة يحياها الإنسان في قبره وما حالها المعرفي وقت وجودها وحلولها في البدن هل البدن سجن لها ، هل تستطيع أن ترى حقائق الأشياء كاملة أم ما تراه هو الظلال.؟!
وما موقع الإنسان من مسألة الحرية ، هل الإنسان حر حرية مطلقة بمعنى هل هو خالق لأفعاله ومن ثم هو مسؤول عنها مسؤولية كاملة ،أم أنه مجبر والإله هو الذي يخلق هذه الأفعال فيه وما عليه هو إلا اكتسابها.
ثم يأتي السؤال العملاق الذي يجمع التساؤلات الثلاثة سالفة الذكر.
سؤال عقلاني من الدرجة الأولي ، هل يستطيع أن يجمع بداخله على الرغم من كل المتناقضات التي بداخله خير وشر ، حب وكره ، جمال وقبح.
هل يستطيع أن يجمع قيم الخير والحق والجمال بداخله.
وهذا ما يجعل للفلسفة رونق وبريق ودعوة للفكر وإعمال العقل.
بل ويكسبها حيويتها واستمراريتها وديناميكيتها بما يضمن وجودها وتواجدها وحضورها عبر كل الأزمان ، صحيح قد تخبو جذوتها حين من الدهر ، لكن قد تستعيد رونقها وبريقها أحايين كثيرة حسب تغيرات وتقلبات العصور والأزمنة والأمكنة.
أستاذ الفلسفة الإسلامية ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.