عادل القليعي يكتب .. آليات النهوض بالترجمة من العربية وإليها
مما لاشك فيه أن الترجمة تلعب دورا مهما في التبادل الثقافي والمعرفي فى شتى صنوف المعارف ومجالاتها وفي كل ألوان الثقافات المختلفة..
لا شك أنها تلعب دورا رئيسا وفاعلا فى البناء الحضاري لأي أمة من الأمم . فما البناء الحضاري إلا مجموعة الثقافات المكتسبة في ما بين للحضارات جميعا ، ولكن كيف يتم هذا النقل إذا لم نكن على وعي ودراية بلغات هذه الأمم.وهذا ما أدركه خلفاء الدولة الإسلامية التي امتدت أطرافها فشملت العالم بأسره وذلك من خلال الفتحات الإسلامية التي تمت فى عهد الخلفاء الراشدين وخلفاء بني أمية والعباسيين .
فاهتموا أيما اهتمام بلغات هذه الامصار المفتوحة لماذا حتى يستطيعوا للتعامل مع أهل هذه الدول والامبراطوريات ، ليس هذا وحسب بل لمواكبة المد الثقافي عبر هذه الفتوحات ، ومن ثم راحوا يتعلمون لغات هذه الأمم ، ثم حدث بعد ذلك طفرة حضارية ألا وهي الاهتمام بالعلوم النظرية والعلوم العملية وذاك من خلال ترجمة مؤلفات فلاسفة اليونان سواء النظرية أو العملية ، النظرية متمثلة في مؤلفات فلاسفة اليونان الكبار سقراط وافلاطون وارسطو ، وعملية كنؤلفات أبقراط الطبية ، وظهر تراجمة يشار لهم بالبنان ، أمثال حنين بن اسحاق واسحاق بن حنين وابن المقفع ، وعبد المسيح بن ناعمة الحمصي والكندي الفيلسوف .
ليس هذا وحسب بل إن الترجمة ازدهرت أيما ازدهار فى عهد الدولة العباسية فى القرن الرابع الهجري فنجد أن الخليفة المأمون أنشأ دارا للحكمة للعناية بالترجمة والتراجمة وكان ذلك عاملا مهما للتبادل الثقافي والنهضة الحضارية فراح منصفوا المستشرقين يتغنون بحضارية القرن الرابع الهجري.
مما دفعهم إلى لفت الأنظار إلى الحضارة العربية والإسلامية على وجه الخصوص والحضارة الشرقية عامة ، فانشاوا في جامعات أوروبا كراسي لتعلم اللغات السامية وخصوصا اللغة العربية. وكان ذلك بمثابة فتح للتبادل الثقافي ، بالترجمة أخذت جانبين أحدهما سلبي مرذول والآخر إيجابي محمود ، أما الايجابي فهو نقل ترااثنا العربي والإسلامي كترجمة مؤلفات ابن رشد وابن طفيل وابن سيد البطليوسي ترجمة دقيقة.
وجانب سلبي بان واضحا جليا وعن قصد في اغاليط التراجمة وترجماتهم الحرفية للقرآن الكريم مثلاً مما حرف بعض الآيات وإخراجها عن سياقاتها المنضبطة كترجمات جورج سل لاحدي آيات القرآن الكريم قوله تعالى (يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا)، فترجمها مخرجا إياها عن خطاب التعميم إلى خطاب التخصص ، قائلا المقصود والمعني والخطاب هنا يا أهل مكة ، وهذا خبر من المترجم أراد به القول بتاريخانية النص ، أي أن القرآن نزل لأهل مكة فى فترة زمكانية محددة.
إذا أردنا إحداث تبادل ثقافي وحضاري رصين ومنضبط علينا ترحمة الموروثات الحضارية التي تثري الفكر الإنساني وتكسبه حيوي وديناميكة واستمرارية (فمن علم لغة قوم أمن مكرهم)
ومن هذا المنطلق اجتهدنا ووضعنا سبعة آليات للنهوض بالترجمة.
أولتها هذه الركائز المترجم لابد أن يكون حاذقا في لغته ، ملما بقواعدها إلماما تاما ، ذو ثقافة موسوعية ، لديه القدرة على التعامل مع النصوص إن شرحا وتحليلا وتفسيرا أو تأويلا بما لا يخل بدلالات النصوص التي هي قيد الترجمة.
وثانيتها هذه الركائز ، إختيار الكتب التي سيتم ترجمتها وذلك عن طريق لجنة معتمدة هي التى تقرر ما يمكن ترجمته من عدمه ، تلتزم بالموضوعية والحيادية ، فلدينا موروث حضاري قيم لابد أن يخرج إلى العالمية ليرى الغرب من نحن وما تراثنا.
ثالثها هذه الركائز ضرورة توفير الدعم المادي لمن يقوم بالترجمة من توفير الإمكانيات اللازمة والأدوات التي سيستخدمها فى الترجمة بما يضمن ترجمة رصينة وقوية ، كذلك صرف مكافآت مادية معقولة للمترجمين خصوصا إذا لم يكن لهم عمل آخر سوى الترجمة بما يضمن اقباله على الترجمة دون النفور منها ، لذا أهيب بالجهات المختصة توفير الدعم المادي الملائم والمناسب للمترجمين.
رابعتها هذه الركائز تخصيص دورات معتمدة للترجمة تقوم بها مراكز معتمدة دوليا وعقد اختبارات دورية للمترجمين بما يضمن كفاءة الترجمة.
أما الركيزة الخامسة ، خضوع الكتب المترجمة قبل إعدادها للطباعة والنشر الدولي خضوعها إلى لجان كل حسب تخصصه وحسب اللغة التي سيترجم إليها العمل بما يضمن كفاءة الترجمة من ناحية ، وكذلك يضع المترجم أمام مسؤولياته تجاه ما يقوم بترجمته وأن هناك من سيراجع خلفه.
حقا إذا أردنا نهضة حقيقية ومواكبة للساحة الفكرية العالمية لابد أن يكون هناك تبادل فكري ثقافي عن طريق الوارد وفي نفس الوقت عن طريق الصادر.
وأختتم مقالتي بهذه العبارة
الترجمة سلاح ذو حدين إما أن ترتقي بالأمة فتضعها في المقدمة وإما تضعها في المؤخرة
سواء الترجمة من العربية أو إلى العربية.
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان
عادل القليعي يكتب .. جدلية العلاقة بين الحاكم والحكيم تصورات ورؤى
عادل القليعي يكتب روحانيات .. عيدكم مبارك