أحمد زحام يكتب .. هادي والأم المثالية
يبدو أن هذه الفرقة ( فرقة إحنا واحد للفنون المسرحية لذوي الاحتياجات الخاصة ) لن ننتهي من قراءة أوراقها ، فهذا العالم الصغير الذي كان حلما ، وأصبح واقعا ، خلق ترابط بين أفراده ، وكأنهم كانوا يبحثون عن مكان يشعرون فيه بالراحة النفسية في هذا الجو المضطرب في نظرته لهم ، وطريقة تعامله معهم ، وكل واحدة من هؤلاء الأمهات تستحق أن تكون أما مثالية ، وأم اليوم أقدمها من خلال شهادة إبنها المعاق بصريا هادي جلال بطل الفرقة .
الأم: هند منصور عباس
1-من الطفولة وحتى كف البصر:
ماما كانت اهتمامها بي غير عادي في فترة الطفولة من مرحلة التأسيس للتعليم والتربية وغيرها، أمي كانت الأب والأم بسبب عمل الأب في الخارج كانت تتابع معي مستواي الدراسي طوال الوقت وكنت الأول على المدرسة بشكل مستمر حتى وصلت إلى الصف الخامس الابتدائي.
2 مرحلة كف البصر:
في الصف الرابع الابتدائي أصبت بالكرة في عيني اليمين وأصبت في وقتها بمياه بيضاء في العين وأجريت عملية وعاد نظري من جديد وبعدها عادت الميا البيضا ولكن في العين اليمنى واليسرى وذلك في الصف الخامس الابتدائي أجريت الكثير من الفحوصات حتى استقر الرأي الطبي على إجراء العملية في العينين معا وكان ذلك في الصف السادس الابتدائي ولكن بعد إجراء العملة أصبت بكف البصر.
ذهبت للكثر من الأطباء وأجريت أكثر من عملية من شبكية إلى قرنية وغيرها حتى تم كف البصر المستمر في هذا الوقت كنت في الترم الأول في الصف السادس الابتدائي ولكن بسبب العمليات لم أستطع اللحاق بالامتحانات فكانت أمي تذاكر معي وتتابعني في المذاكرة وامتحنت الترمين معا وحصلت وقتها على 90 %.
3 مرحلة التأهيل لكف البصر واستمرار التعليم:
بحثت أسرتي على مركز لتأهيلي لكي ألتحق بمدارس المكفوفين والتحق وقتها بقصر النور لتعلم طريقة برايل، فقامت أمي بدور عظيم كانت تذهب معي 3 أيام في الأسبوع لتعلم طريقة برايل بإتقان وكانت تتعلم معي طريقة برايل رغم صعوبتها لكي تتابع معي وتتابع تقدم مستواي في القراءة والكتابة بطريقة برايل لأنها كانت حريصة أن ألتحق بمدارس المكفوفين في الصف الأول الإعدادي وأسير بمسيرتي التعليمي دون تأخر سنة لكي أصبح مثلا أصحابي المبصرين في المراحل التعليمية، وبالفعل تعلمت طريقة برايل في أقل من شهرين بكل أدواتها والتحقت بمدارس المكفوفين في الصف الأول الإعدادي
كانت أمي تذهب معي يوميا توصلني إلى المدرسة وآخر اليوم تأتي إلى المدرسة لكي تأخذني إلى البيت وكانت أختي وقتها طفلة كانت تتركها وتأتي لي وظلت على هذا الحال 3 سنوات.
وفي هذه الأثناء كانت تتابع معي المواد والمذاكرة وتذهب للجمعيات لطباعة الكتب بطريقة البرايل وتتابع معي وتقرأ لي من الكتب الخارجية كي أستمر في مستواي التعليمي وأكون من الأوائل مثل السابق وبالفعل في الصف الثاني الإعدادي أصبحت من أول 5 طلاب على المدرسة وحصلت على منحة التفوق الدراسية بزيارة إلى دولة المغرب وفي 3 إعدادي كنت الثالث على المدرسة.
وكانت أمي لا تيأس ولا تكل ولا تمل في متابعتي والاستمرار في رعايتها لي أنا وأختي وكانت توصلني إلى المدرسة وتعود وتأخذ أختي وتذهب بها إلى مدرستها وفي الصف الأول الثانوي كنت الثالث عل المدرسة دراسيا والثالث على الإدارة كتاب مثالي وفي 2 ثانوي كنت الثاني على المدرسة والثاني على الجمهورية في مسابقة خاصة بالمكتبة والقراءة والمطالعة
وفي 3 ثانوي كنت الثالث على الجمهورية في الثانوية العامة، والتحقت بكلية الإعلام جامعة القاهرة.
4- المرحلة الجامعية:
عندما التحقت بكلية الإعلام جامعة القاهرة استمرت أمي في رعايتها لي والذهاب معي إلى باب الجامعة حتى أتعود، واحفظ الطرق والمواصلات، وبعدها تركتني أعتمد على نفسي، ولكن وقت المذاكرة كان لدي بعض المواد لا يوجد لها كتب WORD وكتب ورقية كانت تقرؤها لي أو تسجلها لكي أسمعها في إي وقت أريد.
ثم التحقت بقسم الإذاعة والتليفزيون وكان حلمي منذ الصغر وكنت الطالب المثالي على مستوى الكلية وقدمت أول برنامج لي في راديو الكلية ولمدة 3 سنوات متتالية وأنهيت المسيرة الجامعة وأنا من أولى 10 على مستوى الكلية وحصلت على تمهيدي ماجستير في كلية الإعلام وحاليا في التحضير لرسالة الماجستير…
5- الإنجازات والأنشطة:
في ظل سيري في الحياة تعليميا كان لي أنشطة مثل المسرح، والتقديم البرامجي، وكانت أمي هي الداعم الأساسي والوحيد لي. فمثلت مسرح في عروض مختلفة ثم انضميت إلى فرقة إحناء واحد للفنون المسرحية ومستمر بها حتى الآن وحصلت على جائزة المهرجان القومي للمسرح كأفضل ممثل وقدمت البرامج التليفزيونية على قناة الصحة والجمال وقنوات أخرى.
6- رحلتي مع الفشل الكلوي وزراعة الكلى:
اصبت بالفشل الكلوي عام 2021 واستمريت مع الفشل الكلوي مدة عامين كاملين، كنت اذهب الى الجلسات 3 مرات بالاسبواع كل يوم الجلسة تستمر لمدة 4 ساعات، وكانت أمي تنتظرني حتى انتهي من الجلسة والجلسات مليئة بالتعب والقلق خشية أن اتعرض لاي شيء عارض اثناء الجلسة ، وكانت امي جنبي ومطمئنة لي دائما، وكنت في بداية المرض بالكلى ظللت لمدة 3 شهور اعاني بدرجة حرارة عاليا ومشاكل في القلب والذهاب للعديد من الاطباء في اماكن مختلفه وكانت امي معي في كل ذلك.
وعندما طرحت فكرة زراعة الكلى كانت أمي أول شخص يعرض رغبتها للتبرع وكنت أرفض كثيرا في البداية وظللت في ذلك لمدة عام تقريبا حتى أقترح وطلب الطبيب بأن الأفضل هو تبرع أحد من القراب، وكانت ماما راغبة بذلك طول الوقت، ولم تخف ولا تهاب الموقف… بل بالعكس كانت دائما تقول: مش مهم حياتي بس المهم إن هادي يبقى صحته أحسن وسعيد في حياته ظللنا في الإجراءات والفحوصات البسيطة والصعبة منها وذلك لمدة 3 شهور تقريبا حتى أتممنا زراعة الكلى في 6/6/2023 وتبرعت أمي لي بالكلى وبعد الخروج من المستشفى رغم تعبها وألم العملية كانت أمي اللي تراعيني وتتابع حالتي الصحية والأدوية وتطهير وتعقيم الأماكن وغيرها.
وأمي أحيانا تشعر بالتعب مكان الجرح والعملية ولكن تتحامل على نفسها دائما ولا تريد أن توضح ذلك من أجلي.
حقيقي أمي تحتاج إلى العديد والعديد من الكتب للحديث عنها وعن كافة التضحيات التي قدمتها من أجلي… فأمي لدي هي أعظم أم في الكون حقا… حفظها الله لي وبارك في عمرها .. هذا ما كتبه هادي عن أمه المثالية السيدة هند منصور عباس .