كُتّاب وآراء

بهاء درويش يكتب .. يوم في رحاب أخلاقيات الذكاء الاصطناعي

أشرف بالعمل عضواً ضمن لجنة العلوم الاجتماعية والإنسانية التابعة للجنة الوطنية المصرية لليونسكو للدورة الثانية على التوالي. تعد هذه اللجنة من أنشط اللجان النوعية التابعة للجنة الوطنية. اختارت اللجنة ضمن نشاط عملها العامين السابقين عمل ميثاق لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي وذلك من خلال مشروع تقدمت به اللجنة ووافقت عليه هيئة اليونسكو في باريس.
جرت عادة الأعمال الجيدة عقد ورشة عمل يدعى إليها الخبراء وذلك قبيل الانتهاء من العمل- سواء أكان هذا العمل مشروعاً بحثياً أو دراسة استراتيجية- وذلك لعرض العمل أمام الخبراء وأخذ التغذية الراجعة منهم وضم الملاحظات التي تستحق ضمها للمشروع قبل صياغته الصياغة الأخيرة ونشره.

حضرت هذا الأسبوع ورشة العمل الخاصة بهذا المشروع استجابة لدعوتين: دعوة من أصحاب المشروع كأحد المطلوب منهم تقديم تغذية راجعة للمشروع ودعوة من الأستاذ الدكتور أحمد زايد رئيس لجنة العلوم الاجتماعية والإنسانية لإلقاء كلمة اللجنة لانشغاله بمهام خارج القاهرة.

حرصت على الحضور استجابة للدعوتين الكريمتين ولأنها كانت مناسبة جيدة ضمن المناسبات التي أحرص على حضورها من أجل نشر ثقافة أخلاقيات العلم والتكنولوجيا، وهي من المهام التي أجعلها إحدى مهامي الحياتية تقديراً مني لأهمية هذه المهمة المقدسة ألا وهي توضيح مفهوم أخلاقيات العلم والتكنولوجيا وبيان أهميته. ولما كنت قد لمحت وجود شباب في العقدين الثالث والرابع، فقد حرصت على أن أضمن كلمتي الترحيبية شرحاً لمعنى وأهمية المواثيق الأخلاقية رغم أنها في أغلبها ليست ملزمة قانونياً للموقعين عليها.

أوضحت أن الهدف الأساسي من إطلاق وثيقة في أخلاقيات إنتاج العلوم وتوزيع منتجاته هو غرس ثقافة توجيه العلم والتكنولوجيا توجيهاً أخلاقيا من خلال مباديء تقوده. فالعلم الذي لا توجهه المباديء الأخلاقية- في شتى مراحل إنتاجه وانتهاء بتوزيع منتجاته- ليس علماً نافعاً بل ولا يستحق أن يسمى علماً. متى تم هذا الغرس تحولت المباديء الأخلاقية إلى مباديء ملزمة ذاتياً يلتزم بها صاحبها دون إلزام خارجي من أي جهة.

الهدف الثاني من المواثيق الأخلاقية أنها ما توجه المؤسسات والحكومات إلى تحويل بعض المباديء الأخلاقية إلى لوائح وقوانين قناعة منّهم بأهمية هذه المباديء. نذكر منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر 1948 من قبل الدول الأعضاء الذين تشكلت منهم الأمم المتحدة ديسمبر1948 في بداية تأسيسها كرد فعل لكل الانتهاكات غير الإنسانية التي حدثت أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث عد الإعلان حقوق الإنسان هي أساس الحرية والعدالة والسلام. على الرغم من أن بنود هذا الإعلان ليست ملزمة قانوناً لأي دولة ولكنها كانت الأساس الذي خرجت منه قوانين حقوق الإنسان.

كذلك فقد تحول مبدأ ضرورة احترام الخصوصية وخصوصية البيانات إلى قانون حيث أصدرت كل دول العالم تقريباً قوانين لحماية البيانات الخاصة. ففي مصر صدر القانون 151 لسنة 2020 بشأن حماية البيانات الشخصية المعالجة إلكترونياً جزئياً أو كلياً لدى أي حائز أو متحكم أو معالج لها بالنسبة للأشخاص الطبيعيين.

أما مبدأ الموافقة المستنيرة الذي ينص على ضرورة استئذان أي فرد يمكن استخدامه كمبحوث- أي يجري الباحث عليه تجاربه- قبل إجراء البحث عليه، فقد أدى حرص الدولة المصرية على تحققه أن صاغت هذا النص في دساتيرها المختلفة قناعة منها وإقرارا أن مصر دولة تحترم كرامة الانسان وترفض اختراق خصوصيات أي فرد دون استئذان.

من هنا كانت أهمية إطلاق وثيقة أخلاقية لضبط إنتاج واستخدام الذكاء الاصطناعي الذي أصبح أداة توجيه حياتنا في معظم مناحي الحياة تقريباً.
                                                                                                                       Elsayed.baha@mu.edu.eg

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى