د.بهاء درويش يكتب .. حساب الذات للذات ( 2 )
استكمل اليوم ما بدأته في مقال الأسبوع الماضي الذي ذهبت فيه إلى اعتيادي كل عام أن أحاسب ذاتي فيما يتعلق بالأفكار والاعتقادات التي أقتنع بها والتي أضعها في صورة مقالات أو أبحاث أو تلك التي لازالت في ذهني ولم أترجمها في أبحاث أو مقالات مكتوبة وذلك مع نهاية كل عام، أحاسبها اختباراً لما إذا كنت مازلت مقتنعاً بها أم غيرتها.
أستكمل اليوم تلخيص مواقف صغتها منذ أكثر من عامين وما زلت مقتنعاً بها.
ذهب البعض إلى أنه لما كانت الدولة المصرية دولة مدنية، فلن تتحقق المدنية الكاملة والمواطنة الحقيقيةفي الدولة سوى بإلغاء خانة الدين من بطاقة الهوية وذلك لضمان معاملة عادلة داخل الدولة. في مقابل هذا الرأي كتبت ما يمكن تلخيصه على النحو التالي :
دولتنا دولة مدنية : ولكن لا تتحقق مدنية الدولة بإلغاء خانة الديانة من البطاقة أي إخفاء الديانة كما ظن البعض. لا تتحقق المدنية بإخفاء ظاهرة التدين التي يتصف بها الشعب المصري. إتساقاً مع هذا المنطق، عليناأن نخفي النساء خوفاً عليهن من إعتداء من لا يحترمون النساء.
لا تتحقق المدنية بالإخفاء أو بالإلغاء ولكن برفع وعي الناس بضرورة احترام الاختلاف وتقبل الآخر المختلف عقائدياً مع تفعيل سريع للقانون وعقوبة الاعتداء على المختلف بكل صوره، وذلك حتى تفعل التوعية فعلها ويتعود الناس على قبول المختلف.
يمكن الاطلاع على تفاصيل هذا الموقف في المقال الذي نشرته جريدة الجارديان المصرية بتاريخ 13 سبتمبر 2021، الذي جاء تحت عنوان “ليس بإلغاء خانة الديانة تتحقق مدنية الدولة .
في منتصف مايو 2021 أثار البعض تصوراً للدين- لا أتذكر مناسبته وأحسب أنه ليس جديداً- خلاصته أن الدين ليس سوى علاقة فردية بين العبد وربه. في مواجهة هذا المفهوم كتبت مقالين ألخص فيهما موقفي على النحو التالي :
لا يمكن اختزال الدين في علاقة فردية بين العبد وربه: يرتبط الفرد بوشائج مجتمعية وشبكة من العلاقات تربطه بغيره هي ما يتحدد من خلالها.
و بالتالي لا يوجد ما يسمى بالجوهر الفرد بعيداً عن المجتمع الذي يتعايش معه.
وإذا كان المقصود بالعلاقة الفردية أن نسمح لكل فرد بفهم خاص لكل منا للدين، فهذه إما دعوى للفوضى أو دعوى للكفر وإنكار الإسلام أو فهم متناقض.
فهي دعوى للفوضى لأن هذا الطلب يشبه الطلب أن نترك لكل شخص أن يفهم القانون فهماً خاصاُ به ولا يحق لأحد أن يحاسبه على الأفعال الناتجة عن هذا الفهم الخاص. هذا سيؤدي بالضرورة إلى فوضى، إذ لن يصبح هناك تشريع منظم لشؤون الحياة يمكن تنفيذه، وستتحول الحياة إلى فوضى. أما القول بالاستبدال التام للقانون بالدين، فهو قول يعني رفض الدين تماماً وإحلال القانون الوضعي مكانه. والدين الاسلامي جاء منظماً لحياة المسلم في علاقاته بالآخرين.
فهذا إنكار للدين والإسلام لأنه إنكار لما جاء به الدين.
“بأي معنى يمكن اختزال الدين في علاقة شخصية بين العبد وربه؟” جريدة الجارديان 12 مايو 2021 .
اتفاقاً مع مفهوم قصر الدين على أنه علاقة فردية بين العبد وربه، ذهب البعض إلى أن في مصر تعليماً دينياً يجب إلغاؤه لأنه قد يكون أحد أسباب انتشار الأفكار المتطرفة في مصر.
هنا ألخص على النحو التالي موقفي الذي كتبته بإسهاب في مقالي -“هل يوجد في مصر تعليم ديني؟ الجارديان المصرية
لا يوجد في مصر تعليم ديني، ولكن هناك تعليماً حكومياً مدنياً، وأزهرياً، ومدارس الفرنسيسكان والجيزويت وتعليماً بريطانياً وأمريكياً. كل ما يختلف به التعليم الأزهري- إن كان هو المقصود بالتعليم الديني- هو جرعة إضافية من مقررات دينية.
لا يمكن نسب التطرف إليه بعد أن فُتحت السماوات وجاءت الأفكار من كل حدب وصوب. من الصعب تحديد مصدر أفكارنا واعتقاداتنا دينية أو غير دينية بعد أن تعددت مصادر المعرفة والقراءة.
ثم إن التعليم الأزهري موجود منذ القدم وشهد له التاريخ أنه حفظ لغتنا العربية وتماسكنا القومي في بعض فترات الزمان ضد الاستعمار.
هل هناك علم اجتماع عربي معاصر أو لأي دولة عربية؟
هناك علوم اجتماعية فرنسية وبريطانية وأمريكية بل وهندية.
لم يكتب لأي علم اجتماع في أي دولة عربية- للأسف- أن تأسس بوصفه علماً أصيلاً واضح الأهداف والقضايا.
عالمنا العربي الإسلامي حائر أو واقع بين علوم اجتماعية غربية قاصرة وعلوم اجتماعية عربية غائبة : العلوم الاجتماعية في الغرب لم تحقق أهدافها، و فشلت في موطنها ولم تحقق لأبناء الغرب السعادة الموعودة. فإذا حاولنا نقلها أو تبنيها في الشرق- وهو ما حدث- كان من الطبيعي أن تفشل ولا تحقق أهدافها لفشلها في موطنها من جانب ولتفرد وخصوصية الظواهر التي تعالجها والتي تجعل نقلها من مكان لآخر محتوم بالفشل، والسبب الثاني هو عدم وجود علوم إجتماعية عربية.
و لكن لماذا لا توجد علوم إجتماعية في شرقنا؟ أقولها على استحياء وفي خجل: “لأنه لا توجد فلسفة عربية إسلامية معاصرة تؤسس لعلومنا”.للتفاصيل يمكن الاطلاع على البحث التفصيلي “علوم إجتماعية غربية قاصرة” العدد الرابع 2021 مجلة جامعة المعارف لبنان ص 99 – 117 .
كل عام وانتم بخير