الإعلامي خالد سالم يكتب لـ «30 يوم» : الوزير بعد الوزارة… إلى أين؟
تثير مسارات الوزراء بعد خروجهم من مناصبهم أسئلة لا تخفت بريقها، بل تزداد راهنية مع كل تغيير وزاري جديد. فالوزارة ليست مجرد وظيفة حكومية؛ إنها محطة حساسة تختبر قدرات أصحابها، وتمنحهم — في المقابل — خبرات استثنائية وشبكات علاقات واسعة قد تعيد تشكيل مستقبلهم المهني والسياسي. لكن… بعد انتهاء المهمة، ما المسار الذي يسلكه الوزير؟ ومن المستفيد الحقيقي: الوزير نفسه أم الموقع الجديد الذي ينتقل إليه، سواء كان حزبيًا أو إداريًا؟
بين باب المغادرة وبوابة الفرص الجديدة
لا شك أن تقلّد الوزارة يضع الوزير في موقع صدارة: رؤية شاملة لمؤسسات الدولة، اتصال مباشر بصنّاع القرار، وانخراط يومي في الملفات الكبرى. وعند خروج الوزير، لا يعود إلى نقطة الصفر، بل ينطلق من رصيد ثقيل قد يفتح أمامه ثلاثة مسارات رئيسية:
1. العودة إلى الحياة الحزبية
بعض الوزراء يستثمرون مكانتهم الحكومية السابقة لتعزيز حضورهم داخل أحزابهم. يعودون كقادة، منظّرين، أو حتى كمرشحين بارزين في الانتخابات. في هذا المسار، يستفيد الحزب من خبرتهم ومصداقيتهم، بينما يستفيد الوزير من منصة سياسية أكثر قوة مما كانت لديه قبل تولّيه المنصب.
2. التعيين في مؤسسات الدولة أو الهيئات العليا
كثير من الوزراء ينتقلون بعد الوزارة إلى مواقع إدارية عليا:
هيئات تنظيمية، مجالس استشارية، مجالس إدارة شركات وطنية، أو مؤسسات رقابية.
هذه المواقع تستفيد من التجربة التنفيذية للوزير، بينما يحافظ الأخير على حضوره في المشهد العام، وقد يجد بيئة أكثر هدوءًا وفعالية من ضغط الوزارة اليومي.
3. الانخراط في العمل الأكاديمي أو الاستشاري
بعض الوزراء، بعد سنوات من العمل المكثّف، يختارون العودة إلى المجال الفكري أو الأكاديمي. يكتبون، يدرّسون، يقدّمون الاستشارات، وينقلون خبرتهم إلى الجيل الجديد.
هنا يكون المستفيد الأول هو المجتمع المعرفي الذي يحصل على خلاصة تجارب متراكمة لا تتوفر إلا لمن عاش قلب القرار.
أمثلة شائعة من واقع التجربة العربية
رغم اختلاف الدول وسياقاتها، يمكن رصد نماذج مكررة ومتقاربة:
وزراء عادوا إلى أحزابهم ليتولوا منصب الأمين العام أو رئاسة المكتب السياسي.
وزراء انتقلوا إلى مناصب دبلوماسية كسفراء أو مندوبين في منظمات دولية.
وزراء تولّوا رئاسة جامعات أو مراكز بحثية.
وزراء أصبحوا مستشارين اقتصاديين أو قانونيين لشركات محلية ودولية.
وزراء خرجوا من المشهد تمامًا واختاروا التقاعد الهادئ.
هذه النماذج لا تعبّر عن قرارات فردية فقط، بل عن مناخ سياسي ينتج مسارات شبه ثابتة لمن يشغل منصبًا وزاريًا.
من المستفيد الحقيقي؟
السؤال الجوهري: هل يستفيد الوزير وحده، أم أن الموقع الجديد — حزبيًا كان أم إداريًا — هو المستفيد الأكبر؟
الوزير يستفيد لأنه:
يواصل حضوره ومكانته في المجال العام.
يستثمر خبرته وعلاقاته.
يحصل غالبًا على مساحة أوسع للتأثير أو الهدوء مقارنة بالتوتر الوزاري.
والمؤسسات تستفيد لأنها:
تحصل على شخصية تمتلك خبرة تنفيذية نادرة.
تستفيد من شبكة العلاقات التي بناها الوزير خلال خدمته.
تكتسب ثقلًا سياسيًا وإعلاميًا بوجود اسم معروف.
الحقيقة أن العلاقة غالبًا تكاملية: الوزير والموقع الجديد كلاهما يربحان، وإن بدرجات متفاوتة وفقًا لشخصية الوزير وطبيعة المؤسسة التي ينتقل إليها.
الوزارة مرحلة… لكنها ليست نهاية الطريق.
والوزير، بعد مغادرته منصبه، يقف أمام مفترق واسع من الخيارات. قد يعود إلى السياسة، أو يواصل طريقه في الدولة، أو يختار دورًا فكريًا أكثر هدوءًا. وفي كل الأحوال، تبقى تجربته رصيدًا ضخمًا يمكن — إن تم استثماره بحق — أن يقدّم الكثير للحياة العامة.
كاتب المقال : خالد سالم – إعلامي .. نائب الامين العام لاتحاد الإعلاميين الأفريقي الأسيوي.
اقرأ أيضا
الإعلامي خالد سالم يكتب لـ «30 يوم» : ملامح الدراما القادمة لشاشة 2026




