سامي صبري يكتب لـ «30 يوم» : الانتخابات المشبوهة تسقط البرلمان
فى هذا المكان، قبل عدة شهور، وعبر عدة حلقات، حذرت من مخاطر ومشاكل النظام المختلط للانتخابات. وقلت إن هذا النظام الذى يجمع بين القائمة والفردى الحزبى والمستقل، لا يليق بمصر ولا بتاريخها البرلمانى والسياسى، ولا يعترف به المواطن المصرى، ويعتبره نوعًا من التدخل الحكومى والحزبى فى اختيار نواب الشعب، ويجبره على العزوف عن المشاركة.
فلماذا يشارك المواطن وهو يعلم أن النتيجة محسومة مسبقًا لنحو 282 مرشحًا، يمثلون نصف مقاعد مجلس النواب تقريبا، تجمعهم قائمة موحدة شعارها (من أجل مصر)، دفع مرشحوها الملايين؛ كى يلعبوا وحدهم دون منافس، ويضمنوا الفوز، بمجرد حصول القائمة على 5% فقط، من إجمالى أصوات الدائرة، التى تم تحديدها جغرافيًا بأسلوب مريب، يصعب على أى مرشح فيها أن يعرف أحدًا من ساكنيها أو يعلم بمشاكلهم ومطالبهم؛ لأنه جاء بالباراشوت ودون إرادتهم، وهو ما حذرت منه عندما طالبت بضرورة تعديل قانون الانتخابات وزيادة أعداد الدوائر فى مختلف المحافظات، وإلغاء الحصانة خارج البرلمان.
الكارثة أن الجالسين فى مكتب تنسيق الانتخابات (غرفة الهندسة السياسية للبرلمان)، لا يدركون خطورة إحساس المواطن بهذا التزييف غير المباشر، ويعتقدون خطأ أنهم يخدمون النظام متجاهلين ذكاء المصريين، متناسين النتائج الوخيمة لتزوير انتخابات برلمان 2010 وما أعقبها من ثورة كادت أن تفقد المصريين وطنهم فى أيام معدودات لولا لطف الله بالعباد والبلاد.
وقد صُدم هؤلاء بتدخل الرئيس فى الوقت المناسب واستجابته السريعة لصرخات المرشحين الذين تعرضوا للظلم والغبن خلال العملية الانتخابية واستغاثات الناخبين الذين شعروا بسرقة واختطاف أصواتهم لصالح مرشحين بأعينهم ينتمون لأحزاب (الموالاة).
لقد وجد الرئيس نفسه مضطرا لتوجيه هيئة الانتخابات لتصحيح الأمور وعلاج هذا المشهد العبثى الذى لا يحمد عقباه؛ حفاظا على صورة مصر داخليا وخارجيا؛ وهو ما أثلج صدور المصريين أنصار المرشحين على المقاعد الفردية، والذين خاضوا العملية على ذراعهم وعلى قدر أيديهم من دون ملايين، معتمدين على مكانتهم فى قلوب وعقول الناخبين.
ورغم ترحيب الشعب الذى انصرف معظمه عن الصندوق، بالخطوة التاريخية للرئيس السيسى، إلا أن الهيئة الوطنية للانتخابات ـ على ما يبدوـ لم تلتفت إلى مغزى عبارة «ولو تتطلب الأمر إلغاء الانتخابات كلها»، واكتفت بإعادة الانتخابات فى 19 دائرة للفردى فقط.
كنا نتمنى من الهيئة إلغاء الانتخابات كلها (قائمة وفردى)؛ لأن الإبقاء على القائمة (المدفوعة مسبقا والمفروضة)، يشوبه عوار دستورى، ويعرض مجلس النواب المقبل إذا استمرت الانتخابات للطعن عليه دستوريا، وبالتالى حله مبكرا، وتحملى يا مصر ملايين أخرى كان من الأولى إنفاقها فى مشروع تنموى لإطعام الجوعى وإنقاذ الفقراء.
إن اعتراف الهيئة الوطنية للانتخابات ببطلان الاقتراع فى بعض الدوائر وإلغائها فى محافظة كاملة مثل قنا، يعنى أن الوضع يعود للمربع صفر، ما يستلزم إعادة انتخاب القوائم فى المحافظات التى تقع فيها دوائر الإلغاء؛ لأن الناخب عند وقوفه أمام الصندوق الانتخابى يستلم ورقتين إحداهما بها قائمة إجبارية وبالأخرى بها مرشحو الفردى والمستقلين.
ومن ثم، فإن حرمان الناخب من الشطر الآخر والأساسى للعملية الانتخابية وهو (القائمة) سيؤدى حتما إلى سقطة دستورية قد تهد المعبد على كل من فيه؛ لأن القائمة المفروضة فى المرحلة الأولى يفترض أنها تمثل ناخبى كل المرحلة الأولى، وبالوضع الحالى لن يتحقق هذا الشرط القانونى، وسنجد مواطنًا حصل على حقه الدستورى فى انتخاب قائمة وفردى ومواطن أجبر على انتخاب فردى فقط.
إن هذا العك السياسى والقانونى يقتضى إعادة النظر فى النظام الانتخابى؛ لدرء مفاسد النتائج المشبوهة وتغذية كمبيوتر مكتب تنسيق البرلمان بنواب يريدهم المصريون، يحصدون أرقاما حقيقية تليق بدولة كبيرة فى حجم مصر وبما يملكه رئيس الجمهورية من صلاحيات تحقق آمال وطموحات الشعب والمصلحة العليا للبلاد.
Samysabry19@gmail.com
اقرأ أيضا
سامي صبري يكتب لـ «30 يوم» : إعدام الأسرى الفلسطينيين




