توبكُتّاب وآراء

إبراهيم الدرواي يكتب لـ «30 يوم» :انتحار وإعاقات .. قائمة الخسائر الجسدية والنفسية للجيش الإسرائيلي في الحرب على غزة

تشير معلومات إسرائيلية إلى أن الحرب على قطاع غزة، التي بدأت في 7 أكتوبر 2023، خلّفت آثارًا عميقة على الجيش الإسرائيلي، ليس فقط على صعيد الخسائر المادية والعسكرية، بل أيضًا على المستويين البشري والنفسي.

الأرقام المذكورة تكشف عن حجم التحديات التي تواجهها إسرائيل، حيث خرج 20 ألف جندي بإعاقات جسدية دائمة، وانتحر 42 جنديًا خلال عامي 2024 و2025، بينما يتلقى أكثر من 9 آلاف جندي علاجًا نفسيًا.

هذه الأرقام، إلى جانب التعتيم الرسمي على بعض الحالات، تعكس أزمة معقدة تتجاوز ساحة المعركة إلى أعماق المجتمع الإسرائيلي.

20 ألف جندي معاق

تشير بيانات إلى أن 20 ألف جندي إسرائيلي أصيبوا بإعاقات جسدية دائمة، نتيجة المشاركة في الحرب على غزة.

هذا الرقم، الذي نُشر في وسائل إعلام عبرية، يعكس شدة الاشتباكات وطبيعة المقاومة التي واجهها الجيش الإسرائيلي في القطاع.

هذه الإصابات تشمل فقدان أطراف، إصابات في العمود الفقري، وأضرارًا دائمة أخرى تعيق قدرة الجنود على العودة إلى الحياة الطبيعية أو الخدمة العسكرية.

تقرير صادر عن صحيفة “معاريف” في فبراير 2025 أشار إلى أن 8600 جندي يعانون من إصابات جسدية، مما يتماشى جزئيًا مع الأرقام الكبيرة المذكورة.

الخسائر تفرض ضغوطًا هائلة على النظام الصحي الإسرائيلي، حيث تتطلب عمليات إعادة تأهيل طويلة الأمد وتكاليف اقتصادية باهظة، كما أنها تؤثر على الروح المعنوية للجنود، حيث يرى الكثيرون أن الإصابات الدائمة تمثل نهاية لمساراتهم المهنية والشخصية.

علاج 9 آلاف جندي

الأثر النفسي للحرب لا يقل خطورة عن الإصابات الجسدية، إذ أن هناك أكثر من 9 آلاف جندي إسرائيلي يتلقون علاجًا نفسيًا منذ بداية الحرب، وفقًا لتقارير رسمية وإعلامية.

وتشمل الإصابات النفسية اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، القلق، والاكتئاب من بين الحالات الأكثر شيوعًا.

تقرير لصحيفة “يديعوت أحرونوت” في مايو 2025 أشار إلى أن 43% من الجنود الذين خضعوا لإعادة تأهيل (حوالي 5200 جندي) يعانون من الإجهاد النفسي اللاحق للصدمة.

اللافت هو أن 15% من الجنود الذين قاتلوا في غزة لم يعودوا قادرين على العودة إلى القتال بسبب هذه الاضطرابات.

هذا الرقم يكشف عن تحدٍّ استراتيجي للجيش الإسرائيلي، حيث يعاني من نقص في القوى البشرية، مما دفع القيادة العسكرية إلى محاولة تجنيد جنود يعانون من اضطرابات نفسية، وهو قرار أثار جدلًا واسعًا داخل إسرائيل.

الانتحار يهدد الجيش

ربما تكون حالات الانتحار من أكثر المؤشرات إثارة للقلق، فوفقًا لصحيفة “هآرتس”، انتحر 35 جنديًا إسرائيليًا خلال عام 2024، وأضيف إليهم 7 آخرون في النصف الأول من 2025، ليصل الإجمالي إلى 42 حالة.

هذه الأرقام تعكس ارتفاعًا مقلقًا مقارنة بالسنوات السابقة، حيث سُجّل عام 2023 سبع عشرة حالة انتحار، ارتفعت إلى 21 في 2024.

الجيش الإسرائيلي يتعامل مع هذه الحالات بحذر شديد، حيث يتم دفن الجنود المنتحرين دون مراسم عسكرية أو إعلان رسمي، وذلك لتجنب تأثيرها السلبي على الروح المعنوية للقوات.

التعتيم يثير تساؤلات حول العدد الحقيقي للحالات، حيث تشير مصادر إلى أن الأرقام قد تكون أعلى مما يُعلن. هذه الظاهرة تُعزى إلى الضغوط النفسية الهائلة التي يواجهها الجنود، سواء بسبب مشاهد العنف في غزة، فقدان زملائهم، أو الشعور بالذنب تجاه الخسائر المدنية.

أزمة اجتماعية – سياسية

الأزمة النفسية والجسدية التي يعاني منها الجنود ليست معزولة عن السياق الاجتماعي والسياسي في إسرائيل، فهناك تقارير أشارت إلى أن عزوف جنود الاحتياط عن الخدمة يعكس غياب الإجماع الاجتماعي حول استمرار الحرب.

عام 2024 شهد أطول فترة خدمة احتياط منذ حرب 1948، بمتوسط 130 يومًا، مما زاد من الأعباء الاجتماعية والاقتصادية على الجنود وعائلاتهم.

علاوة على ذلك، فإن استمرار الحرب دون أفق سياسي واضح يُفاقم الشعور بالإحباط بين الجنود.

خبراء يشيرون إلى أن رفع أهداف الحرب نحو احتلال كامل لقطاع غزة يزيد من الضغوط على الجنود، حيث تتوقع القيادة العسكرية زيادة أيام الخدمة إلى مئات الأيام.

قائمة التداعيات الاستراتيجية

الخسائر البشرية والنفسية للجيش الإسرائيلي لها تداعيات استراتيجية بعيدة المدى، أولًا، النقص في القوى البشرية يدفع الجيش إلى اتخاذ قرارات مثيرة للجدل، مثل محاولة تجنيد جنود مصابين باضطرابات نفسية، مما قد يزيد من المخاطر الأمنية.

وثانيًا، الأزمة النفسية الجماعية التي يعاني منها المجتمع الإسرائيلي، كما أشار تقرير “معاريف”، قد تؤثر على تماسك النسيج الاجتماعي وثالثًا، التعتيم على حالات الانتحار والإصابات قد يؤدي إلى فقدان الثقة بين الجنود والقيادة العسكرية.

الحرب على غزة لم تترك فقط دمارًا هائلًا في القطاع، بل خلّفت أيضًا ندوبًا عميقة في صفوف الجيش الإسرائيلي. الإصابات الجسدية الدائمة لـ20 ألف جندي، والاضطرابات النفسية التي أصابت أكثر من 9 آلاف آخرين، إلى جانب ارتفاع حالات الانتحار إلى 42 حالة، تُظهر أن الثمن البشري للحرب باهظ.

التعتيم الرسمي على هذه الأرقام قد يؤخر المواجهة مع هذه الأزمة، لكنه لن يلغي تداعياتها، في النهاية، تُظهر هذه الأرقام الحاجة الملحة لإعادة تقييم الاستراتيجيات العسكرية والسياسية الإسرائيلية، مع الأخذ في الاعتبار التكلفة البشرية والنفسية التي يتحملها الأفراد والمجتمع الإسرائيلي ككل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى