توبكُتّاب وآراء

الإعلامي خالد سالم يكتب لـ «30 يوم» : فجر التاريخ .. اكتشافات حديثة تعيد كتابة تاريخ القدماء المصريين

بينما كنا نظن أننا نعرف كل شيء عن حضارة مصر القديمة، تفاجئنا رمال الزمن بكنوز جديدة تغير فهمنا للماضي. الاكتشافات الأثرية الحديثة في 2024 و2025 لم تكتفِ بإضافة قطع أثرية إلى المتاحف، بل أعادت رسم خريطتنا المعرفية عن حياة القدماء المصريين وعلومهم وتقنياتهم المتقدمة.

أول مرصد فلكي من نوعه
في أغسطس 2024، اكتشفت البعثة الأثرية المصرية في معبد بوتو بمحافظة كفر الشيخ أول وأكبر مرصد فلكي يعود للقرن السادس قبل الميلاد (Sky News Arabia) (Ajnet) . هذا الاكتشاف الثوري يبلغ مساحته حوالي 850 متراً مربعاً وشُيد من الطوب اللبن (Sky News Arabia) .

استخدم المرصد لتتبع وتسجيل حركة الشمس والقمر والنجوم (Ajnet) ، وكان مجهزاً بأدوات دقيقة للغاية. عثرت البعثة على ساعة شمسية حجرية منحدرة، وهي من أهم أدوات قياس الوقت في العصور القديمة (Youm7) . الأكثر إثارة هو اكتشاف نقوش تصور مناظر فلكية لشروق الشمس وغروبها على مدار الفصول الثلاثة، مع قياسات دقيقة من خلال الأبواب الشرقية والغربية للمعبد (Ajnet) .

كشف أسرار الطب الفرعوني

في اكتشاف يعيد كتابة تاريخ الطب العالمي، عثرت البعثة على بقايا هيكل عظمي لسيدة شابة تعاني من التهاب المفاصل الروماتويدي في أسوان، وتعد هذه الحالة الوحيدة التي تم تشخيصها في مصر القديمة، مما يجعلها واحدة من أقدم الحالات المسجلة في العالم (Dostor) (Youm7) . هذا الاكتشاف يثبت أن الأمراض المناعية كانت موجودة منذ آلاف السنين، ويفتح نافذة جديدة لفهم كيف تعامل المصريون القدماء مع الأمراض المزمنة.

ثكنات عسكرية ومنشآت استراتيجية
في شمال سيناء، كشفت البعثات عن بقايا استراحة أو قصر ملكي محصن بالبوابة الشرقية لمصر القديمة في موقع تل حبوة (ثارو) (Dostor) . هذا الاكتشاف يلقي الضوء على نظام الدفاع المتقدم الذي أقامه القدماء المصريين لحماية حدود مصر الشرقية.

وفي اكتشاف آخر، عثر على بقايا ثكنة عسكرية تضم مستودعات لتخزين الأسلحة والطعام، بالإضافة إلى سيف برونزي لامع نُقش عليه اسم الملك رمسيس الثاني بالهيروغليفية (CNN) . هذه الاكتشافات تكشف عن التنظيم العسكري الدقيق والبنية التحتية المتطورة للجيش المصري القديم.

سقارة تكشف أسرارها من جديد
في بداية 2025، كشفت البعثة المصرية اليابانية المشتركة في سقارة عن مصاطب ومقابر ودفنات تغير الفهم الحالي للمساحة التاريخية لجبانة سقارة، بما في ذلك أربعة مقابر تعود لأواخر الأسرة الثانية وأوائل الأسرة الثالثة (Akhbar El Yom) . هذا الاكتشاف يوسع نطاق الجبانة المعروفة ويشير إلى أن المنطقة كانت أكثر اتساعاً مما كان يُعتقد سابقاً.
مقابر عائلية من الدولة الوسطى

في الأقصر، اكتشف علماء الآثار مقبرة قديمة تحتوي على 11 دفنة بالقرب من معبد حتشبسوت، وهي أول مقبرة تعود إلى عصر الدولة الوسطى يتم اكتشافها في هذه المنطقة (Youm7) . المقبرة تعود إلى الفترة بين 1938-1630 قبل الميلاد، وتحتوي على توابيت لرجال ونساء وأطفال، ومن المحتمل أنها كانت مقبرة عائلية على مدار عدة أجيال (Youm7) .

من بين المكتشفات الهامة سرير من الخشب والحصير المجدول، وحصير ملفوف لا يزال بحالته الأصلية، تم نقلها لمتحف الحضارة (Al Arabiya) . هذه القطع النادرة تقدم نظرة فريدة على الحياة اليومية والأثاث المنزلي في الدولة الوسطى.
كنوز بوتو الأثرية

في العصر البطلمي، اكتُشفت مقابر عديدة بمنطقة البهنسا بالمنيا، بداخلها مجموعة من المومياوات والهياكل العظمية والتوابيت واللقى الأثرية الفريدة (CNN) . تم العثور لأول مرة في منطقة البهنسا على تماثيل تراكوتا تصور المعبودة إيزيس أفروديت وهي تضع على رأسها إكليلاً نباتياً يعلوه تاج (Al Arabiya) ، مما يشير إلى التأثيرات الثقافية المتبادلة بين الحضارتين المصرية واليونانية.

دلالات علمية جديدة

هذه الاكتشافات تكشف عدة حقائق مذهلة:
التقدم الفلكي: المرصد الفلكي يثبت أن المصريين لم يكونوا مجرد مراقبين للسماء، بل كانوا علماء فلك حقيقيين يستخدمون أدوات دقيقة وحسابات معقدة لتحديد التقويم والمواسم الزراعية.

المعرفة الطبية: اكتشاف حالة التهاب المفاصل الروماتويدي يؤكد أن المصريين كانوا قادرين على تمييز الأمراض المختلفة، وهو ما يتطلب معرفة طبية متقدمة.

التنظيم العسكري: الثكنات والاستراحات الملكية تكشف عن نظام دفاعي محكم وشبكة استراتيجية متكاملة لحماية البلاد.
الحياة الاجتماعية: المقابر العائلية تظهر الروابط الأسرية القوية والاهتمام بالأجداد عبر الأجيال.

كل حفرية جديدة في أرض مصر تذكرنا بأن ما نعرفه عن حضارة القدماء المصريين ليس سوى قمة جبل الجليد. الأرض المصرية لا تزال تخبئ آلاف الأسرار تحت رمالها.

مع إعلان عالم الآثار زاهي حواس عن اكتشافات جديدة قرب معبد حتشبسوت في 2025 (Al Khaleej) ، ندرك أن رحلة الاكتشاف لم تنتهِ بعد. كل يوم جديد قد يحمل لنا مفاجأة تعيد كتابة صفحة من تاريخنا القديم.

إن حضارة وقفت عند فجر التاريخ، ما زالت قادرة على إبهارنا اليوم بعبقريتها وتقدمها. ربما يكون السؤال الحقيقي ليس ماذا نعرف عن القدماء المصريين ، بل كم من المعرفة لا نزال نجهله عن تلك الحضارة الاستثنائية التي لم تترك مجالاً من مجالات الحياة إلا وأبدعت فيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى