ممداني يهز أمريكا رغم قيود تمنع وصوله لـ البيت الأبيض
اشتعلت شبكات التواصل ومراكز التحليل السياسي في الولايات المتحدة بموجة من التفاعل والدهشة، بعد إعلان فوز زهران ممداني برئاسة بلدية نيويورك .
حيث تمكّن السياسي الشاب، ذو الأصول الهندية والمولود في أوغندا، من تحقيق فوزٍ واسع على منافسين مخضرمين من الحزبين الرئيسيين، في سباق اعتبره مراقبون “زلزالاً انتخابياً” يعكس تغيراً عميقاً في المزاج الأميركي، لا سيما بين الشباب والناخبين من أصول مهاجرة.
وصفت بعض الصحف الأمريكية، وعلى رأسها “واشنطن بوست ” النتيجة بأنها “اختراق تاريخي” في واحدة من أكثر المدن رمزية وتأثيراً في السياسة الأمريكية”، مشيرةً إلى أن ممداني حصد أكثر من 62% من الأصوات أمام خصومه الجمهوريين والمستقلين، ومن بينهم ديمقراطيون سابقون، وهو ما اعتُبر تفويضاً شعبياً نادراً لسياسي تقدمي ينتمي لجيل ما بعد الألفية.
وقد جاءت النتيجة رغم الحملة الإعلامية والمعنوية التي قادها الرئيس دونالد ترامب شخصيا ضد ممداني، إذ اتهمه في تجمع بفلوريدا بأنه “يريد تحويل نيويورك إلى مختبر لليسار العالمي”.
لكن تلك الهجمات، ارتدت عكسياً، إذ دفعت قطاعات أوسع من الناخبين إلى الالتفاف حول المرشح الشاب، وفق محللي شبكة NBC.
ومنذ لحظة إعلان فوزه، غصّت الساحات الافتراضية بوسوم مثل #Mamdani2028 و#FromNYtoDC، في إشارة رمزية إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة نحو البيت الأبيض.
كما لم تقتصر الدعوات على أنصاره في نيويورك، بل امتدت إلى منظمات مدنية وحقوقية ترى في تجربته “نموذجاً للتنوع والتمثيل الحقيقي لأمريكا الجديدة”.
ورأى خبراء انتخابيون أن “التحوّل في الخطاب العام حول ممداني يعكس تعطشاً لوجوه جديدة في السياسة الأمريكية، بعد سنوات من الاستقطاب الحاد بين الجمهوريين والديمقراطيين”، وفق تما نقلت شبكة CNN.
كما بدأت شخصيات من الحزب الديمقراطي “فعلياً بطرح اسمه في دوائر مغلقة كوجه محتمل للانتخابات المقبلة”، وفق صحيفة “بوليتيكو”.
المولود مواطناً
غير أن الطريق من قاعة بلدية نيويورك إلى البيت الأبيض ليس ممهّداً دستورياً، فثمة عقبة قانونية كبرى تُعرف بـ”شرط المولود مواطناً” (Natural Born Citizen Clause).
فبحسب النص الوارد في المادة الثانية من الدستور الأمريكي، (القسم الأول، الفقرة الخامسة)، لا يحقّ تولي الرئاسة إلا لمن هو “مواطن مولود في الولايات المتحدة”، إلى جانب بلوغه 35 عاماً على الأقلّ وإقامته 14 عاماً متصلة داخل البلاد.
ما يعني عملياً أن المواطنين المتجنسين، حتى وإن أمضوا عقوداً في الولايات المتحدة، غير مؤهلين لشغل منصب الرئيس أو نائب الرئيس. وقد أكّدت ذلك تقارير “مكتبة أبحاث الكونغرس” وأوراق تحليلية من “جامعة هرفارد” حول تأويل النص الدستوري.
فكون ممداني وُلد خارج الولايات المتحدة ثم حصل على الجنسية لاحقاً يجعله قانونياً غير مؤهل لخوض السباق الرئاسي، ما لم يحدث تعديل دستوري رسمي… وهو إجراء بالغ الصعوبة بدوره، إذ يتطلّب موافقة ثلثي مجلسي الكونجرس وتصديق ثلاثة أرباع الولايات، وفق الأرشيف الوطني الأميركي (NARA).
في المقابل، يُجمع الخبراء على أن ديانة ممداني (مسلم) لا تمثل أي عائق قانوني.. ورغم أن هناك أقوالا شائعة تفيد بذلك، تنصّ المادة السادسة من الدستور صراحة على أن “لا يجوز فرض أي اختبار ديني لتولي المناصب العامة”.. وهذا المبدأ حسم مبكراً الجدل حول “الهوية الدينية” في المناصب الفيدرالية، وهو ما أكّدته شروح قانونية من Cornell Law School وConstitution Center.
وبذلك، فإن الانتماء الديني أو العرقي لا يُعدّ مانعاً دستورياً، وإن ظلّ أحياناً مادةً للسجال السياسي أو الإعلامي في الحملات الانتخابية.
رغم ذلك، شهدت الولايات المتحدة حالات مشابهة أثارت النقاش حول معنى “المولود مواطناً”، أبرزها السيناتور تيد كروز، المولود في كندا لأمٍّ أمريكية، والذي ترشّح للرئاسة عام 2016 دون أن تُبتّ قضيته قضائياً.
كما واجه المرشح الجمهوري السابق جون ماكين تساؤلات مشابهة كونه وُلد في منطقة قناة بنما أثناء خدمة والده في البحرية الأمريكية، قبل أن يقرّ الكونجرس أهليته.
أما الحاكم السابق أرنولد شوارزنيجر، المولود في النمسا، فقد بقي مثالاً دائماً على القيود التي يفرضها شرط “المواطَنة بالولادة”.
مع كل هذه المعطيات، يبقى فوز ممداني حدثاً يتجاوز حدود نيويورك. فالرجل الذي وصف نفسه بأنه “ابن مهاجرين يؤمن بعدالة الفرصة” أعاد تشكيل صورة القيادة المحلية في أكبر مدينة أمريكية، وفتح باباً واسعاً للنقاش حول تمثيل المهاجرين في مراكز صنع القرار.
ورأت صحيفة “نيويورك تايمز” رأت أن صعود ممداني “يمثل أول اختبار جدي للنظام السياسي الأمريكي في التعامل مع جيل ما بعد الهوية القومية البيضاء”، فيما كتب محللون في دورية “The Atlantic” أن “رمزية فوزه تكمن في أن السياسة الأمريكية لم تعد حكراً على أبناء النخبة أو المواليد داخل الحدود”.
وبينما يصفه أنصاره بأنه الوجه الجديد لأمريكا المتعددة، يرى خصومه أن الحديث عن رئاسة محتملة مبالغ فيه.




