الإعلامي خالد سالم يكتب لـ «30 يوم» : حياتي من غيرك مستحيلة
في لحظة واحدة، تتحول حياتك رأسًا على عقب. في طرفة عين، تشعر وكأن جزءًا منك قد اختفى، وكأن يدك اليمنى قُطعت فجأة. هذا بالضبط ما شعرت به عندما اكتشفت أن هاتفي المحمول قد اختفى.
هل سُرق؟ هل سقط مني في مكان ما؟ هل نسيته في سيارة أجرة؟ ألف سؤال وسؤال يدور في رأسي، ولا إجابة واحدة واضحة. فتشت جيوبي عشرات المرات، قلبت حقيبتي، عدت بذاكرتي لكل خطوة خطوتها اليوم، لكن دون جدوى.
*الذعر الحقيقي*
ليست المشكلة في الجهاز نفسه، بل فيما يحمله بين ثناياه من حياة كاملة. هاتفي به خطان من شركتين مختلفتين، به كل معلومات حساباتي البنكية، محافظ شركات المحمول الإلكترونية، أرقام هواتف الأهل والأصدقاء والعمل التي لم أحفظ منها رقمًا واحدًا – فلماذا أحفظ وكل شيء محفوظ في الهاتف؟
وسائل التواصل الاجتماعي، الصور، المستندات، رسائل العمل المهمة، كل شيء… كل شيء في ذلك الصندوق الصغير الذي اختفى.
*بين الأمل واليأس*
اتصلت برقمي مرة، مرتين، عشر مرات. الجرس يرن، والقلب يخفق أملًا في أن يرد أحدهم، ربما شخص أمين وجده وينتظر صاحبه. لكن لا مجيب. مجرد رنين مستمر يتبعه صمت قاتل.
قررت أن أواجه الواقع. لا بد من شراء شرائح جديدة، لا بد من هاتف جديد. توجهت إلى أقرب محل لبيع الهواتف المحمولة، وهنا كانت الصدمة الثانية.
*صدمة الأسعار*
“كام سعر الموبايل ده؟” سألت البائع بثقة، ظانًا أن معي ما يكفي.
“خمستاشر ألف جنيه يا أستاذ، وده من الفئة المتوسطة.”
شعرت وكأن صاعقة نزلت على رأسي. خمسة عشر ألفًا؟ للمتوسط؟ وماذا عن الهواتف الجيدة إذن؟
“والفئة الأعلى؟”
“من خمسة وعشرين لأربعين ألف، حسب الإمكانيات.”
جدي الله يرحمه، لو كان حيًا وسمع هذه الأرقام الفلكية، لكان مات من الصدمة مرة أخرى. كيف وصلنا لهذا؟ متى أصبح الهاتف المحمول بسعر سيارة مستعملة؟
*العودة بخفي حنين*
نظرت إلى محفظتي، وعدت النقود التي معي. قلة ذات اليد تصرخ في وجهي: “مستحيل!” قررت أن أشتري الشرائح فقط، وأن أعود للبيت لأخرج من الدولاب ذلك الهاتف القديم الذي احتفظت به “للضرورة”، وها هي الضرورة قد حلت.
في طريق العودة، كنت أفكر: كيف سأسترجع كل تلك البيانات؟ كيف سأتذكر أرقام كل هؤلاء الناس؟ كيف سأعيد ربط حساباتي البنكية؟ يا الله، يا للكارثة!
*الفرحة الغامرة*
دخلت البيت بقلب ثقيل، استسلمت للأمر الواقع، وبدأت أبحث عن الهاتف القديم. ولكن… انتظروا! ما هذا الذي على المكتب؟
هو! إنه هو! هاتفي! جالس على المكتب في انتظاري، وكأنه يقول لي: “أين كنت؟ لقد تركتني هنا صباحًا!”
*فرحة عارمة غامرة*
لا أستطيع أن أصف شعور تلك اللحظة. أمسكته بيدي وكأنني أحتضن حبيبًا غائبًا. ضممته إلى صدري، وتفحصت كل شيء فيه: الخطان يعملان، البطارية لا تزال بها شحن، كل شيء كما هو.
تذكرت حينها أنني وضعته على المكتب صباحًا أثناء ارتدائي للملابس، وفي عجلة الخروج نسيته. كل هذا الذعر، كل هذا البحث، كل تلك الرحلة، من أجل هاتف كان ينتظرني في المنزل طوال الوقت!
*عودًا حميدًا*
عودًا حميدًا يا صديقي، يا أخي الذي لم تلده أمي. عودًا حميدًا يا من تحمل حياتي بين طياتك. علمتني هذه التجربة درسًا لن أنساه: أننا أصبحنا مرتبطين بهذا الجهاز الصغير ارتباطًا خطيرًا، وأن حياتنا فعلًا أصبحت “من غيره مستحيلة”.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هذا شيء جيد؟ أم أننا بحاجة لأن نعيد التفكير في علاقتنا مع التكنولوجيا؟
أترك الإجابة لكم، أعزائي القراء. أما أنا، فسأذهب الآن لأحفظ نسخة احتياطية من كل شيء، وربما… ربما أحفظ بعض الأرقام المهمة في ذاكرتي، تحسبًا لأي طارئ!
كاتب المقال : خالد سالم – إعلامي .. نائب الامين العام لاتحاد الإعلاميين الأفريقي الأسيوي
اقرأ أيضا
الإعلامي خالد سالم يكتب لـ «30 يوم» : رمسيس غير عنوانه




