خالد إدريس يكتب لـ «30 يوم» : استغلوا الشخصية المصرية المتفردة
افتتاح المتحف المصري الكبير لم يكن مجرد حدث ثقافي أو احتفالية رسمية لصرح أثري ضخم، بل تحوّل إلى لحظة وطنية جامعة جسدتها قدرة المصريين على تحويل المناسبات الكبرى إلى حالة وجدانية تتجاوز حدود التنظيم الرسمي والاحتفاء لتعبّر عن عمق الانتماء الوطني وارتباط هذا الشعب بجذوره الحضارية الممتدة عبر آلاف السنين ، ليؤكدوا أن الحضارة ليست ماضياً يُروى، بل روحاً تسكنهم .
فمع انطلاق فعاليات الافتتاح، شهدت منصات التواصل الاجتماعي تفاعلًا غير مسبوق، حيث ظهر ملايين المصريين بالزي الفرعوني في صور ومقاطع فيديو عبّرت عن شعور جمعي بالفخر والاعتزاز، وكأن الأمة المصرية بأسرها أعادت اكتشاف نفسها من خلال تاريخها. لم يكن الأمر موجهًا أو مدفوعًا بدعاية، بل جاء تلقائيًا من وعي شعبي متجذر يرى في الحضارة المصرية القديمة رمزًا للهوية والاستمرارية والقدرة على البقاء .
لقد شكّل هذا المشهد حالة وطنية فريدة، استدعى فيها المصريون إرث أجدادهم ليجسدوا معاني الانتماء في أبهى صورها. وفي الوقت الذي يعيش فيه المواطن تحديات اقتصادية وضغوط معيشية ملموسة، جاء التفاعل الشعبي مع افتتاح المتحف الكبير ليعكس جوهر الشخصية المصرية القادرة دومًا على تجاوز الأزمات، وتحويل لحظات الشدة إلى مناسبة للتكاتف والفخر، وليثبت المصريون أن هويتهم ثابتة عصية على التبدل .
إنّ رمزية الحدث تتجاوز الطابع الأثري والثقافي للمتحف بوصفه أكبر صرح حضاري في العالم، إلى دلالة أعمق ترتبط بقدرة المصريين على استحضار قوتهم الناعمة وصورتهم التاريخية المشرقة في لحظات تحتاج إلى الأمل والوحدة. فالمشهد الشعبي الذي رافق الافتتاح لم يكن عابرًا، بل رسالة إلى الداخل والخارج بأن هذا الشعب، رغم كل ما يواجهه من تحديات، لا يزال وفيًا لجذوره، مؤمنًا بعظمة تاريخه، متمسكًا بهويته التي لا تذوب مهما تبدلت الظروف.
لقد أبهر المصريون العالم في كل المشاهد والأحداث، سواء في لحظات الحراك الوطني كما حدث في ٢٥ يناير ثم ٣٠ يونيو، أو في المواقف التي تجلت فيها إرادة الدولة والشعب معًا. واليوم، يعيدون التأكيد على هذا التفرد من خلال احتفائهم الطوعي بالمتحف الكبير، في مشهد يعكس وعيًا حضاريًا يتجاوز الحاضر إلى المستقبل، ويؤكد أن مصر — التي منحت العالم أول حضارة — ما زالت قادرة على إبهاره بروحها الشامخة التي لا تعرف الانكسار.
وهكذا، يثبت المصريون مرة أخرى أن إرثهم العظيم ليس مجرد تاريخ يُعرض في المتاحف، بل طاقة متجددة تسري في وجدانهم، تصوغ ملامحهم الوطنية، وتمنحهم القدرة على العبور من كل محنة إلى أفق جديد من الأمل والاعتزاز بالنفس .
على الدولة أن تستفيد من الحالة الوطنية التي صاحبت افتتاح الصرح الكبير، وتسعى لترسيخ ثقافة الانتماء، وعلاج الأمراض، وترميم الشروخ التي شقت المجتمع في السنوات الأخيرة، مثل العنف والقسوة في الانتقاد حتى تحول كثيرون إلى جلادين عند النقد كما حدث مع حفل افتتاح المتحف الكبير، وكذلك إعادة الثقة المفقودة بين الحكومة والشعب، خاصة بعد أن بات المواطن ينتظر مزيداً من الغلاء بعد كل فرحة .
Khalededrees2020@gmail.com
اقرأ أيضا
خالد إدريس يكتب لـ «30 يوم» : صراعات الوكلاء في السودان




