توبصحةكُتّاب وآراء

الإعلامية الجزائرية د. كريمة الشامي الجزائري تكتب لـ «30 يوم» : لماذا صار الزواج فكرة مرعبة؟

لماذا  تدهور مفهوم الزواج في عصرنا؟

لم يكن الزواج يومًا مجرّد عقدٍ اجتماعيّ، بل كان ميثاقًا روحيًّا، واتحادًا بين عقلين وروحين اختارا أن يسيرا معًا في درب الحياة.

غير أنّ العقدين الأخيرين شهدا انهيارًا تدريجيًّا في هذا المفهوم، حتى غدا الزواج في نظر كثيرين قيدًا لا حريةً، ومعركةً لا مودةً، وصفقةً لا مشاركةً.

الأسباب النفسية والاجتماعية

من الناحية النفسية، نشأ جيلٌ كاملٌ في بيوتٍ يغيب فيها الأمان العاطفي. الآباء النرجسيون  الذين يرون أبناءهم امتدادًا لذواتهم لا كائناتٍ مستقلة  دمّروا فيهم القدرة على الثقة، والتعبير، والحبّ المتوازن. فحين يكبر الطفل في بيتٍ يُكافأ فيه على الطاعة العمياء لا على الصدق، يكبر خائفًا من الارتباط، أو باحثًا عن شريكٍ يعيد تمثيل وجعه القديم.

أما اجتماعيًا، فقد تحوّل الزواج إلى ساحة صراعٍ بين الأدوار، لا إلى تعاونٍ بين الشريكين، وسائل التواصل ضخّمت صورة “الزواج المثالي” حتى صار الناس يقارنون لا يختارون، يهربون لا يواجهون، صار البعض يفضل العداء على الحوار، لأن العداء يمنح شعورًا مؤقتًا بالقوة، بينما الحبّ يتطلّب شجاعة وانكشافًا.

التحليل النفسي للظاهرة

في علم النفس، يُعدّ الزواج مرآةً للنضج الداخلي. الشخص الذي لم يتصالح مع جراح طفولته، سيعيد إسقاطها على شريكه.

لذلك نرى اليوم زيجات تنهار لا لأنّ الطرفين سيّئان، بل لأنّهما لم يُعالجا ما قبلهما من جراح.

كثيرون يدخلون الزواج كوسيلة “علاج” من الوحدة أو الهروب من بيتٍ سامّ، فينتهون بتكرار الدائرة نفسها.

الزواج لا يُصلحك، بل يكشفك.

الحلّ الممكن

  1. التربية النفسية المبكرة:

على الأهل أن يربّوا أبناءهم على الاستقلال العاطفي لا على التبعية، وعلى التعبير لا الكبت.

فالأب النرجسي يخرّب أجيالًا بأكملها من دون أن يدري.

  1. الوعي قبل الارتباط:

لا تتزوج لتملأ فراغك، بل بعد أن تتصالح مع نفسك.. من لم يحب ذاته سيطلب من الآخر أن يعوّضه عنها، فينهكه ويهلك العلاقة.

  1. إعادة تعريف الزواج:

الزواج ليس تنازلًا، بل مشاركة.. ليس حربًا، بل مشروع بناء.

يحتاج إلى نضجٍ نفسي أكثر من جمالٍ خارجي، وإلى وعيٍ أكثر من وعود.

  1. العلاج الأسري والنفسي:

لا عيب في اللجوء إلى الاستشارة النفسية قبل الزواج أو أثناءه، فالعلاقة الناجحة تحتاج أحيانًا طرفًا ثالثًا محايدًا ليعيد توازنها.

الخلاصة

تدهور الزواج لأنّنا نسينا أن الحبّ مسؤولية، وأن الارتباط ليس استعراضًا للعاطفة بل امتحانٌ للنضج.

حين نربي أبناءنا على وعيٍ نفسيٍّ عميق، سيعود الزواج إلى معناه الأصيل: سكينةٌ لا صراع، وسندٌ لا سجن…

كاتبة المقال .. الإعلامية الدكتورة كريمة الشامي الجزائري … بروفيسورة في علم النفس – هيوستن

 اقرأ أيضا:

الإعلامية الجزائرية كريمة الشامي تكتب لـ «30 يوم» : الخوف … بين حكمة الدماغ وإيمان القلب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى