توبفن و ثقافةكُتّاب وآراء

سماحة سليمان تكتب لـ «30 يوم» : الاحتواء بين الروح والحدود

الاحتواء: تلك المساحة الواعية بين الروح والحدود

تلك اللغة التي لا يعرفها الكثيرون…

ثلاثة حروف تختزل عالمًا من المعاني:حَوَى

ذلك الفعل الذي يضم ويمسك ويجمع…

من الوعاء الذي يستوعب الطعام…

إلى القلب الذي يحتضن المشاعر…

ليتحول إلى فعل طوعي يمنح بلا انتظار.

لا أن تُفهم فقط…

بل أن تُلمَس مشاعرك.

لا أن تُستوعَب…

بل أن تُعاش تجربتك.

ليس الحضن الدافئ وحده…

بل الدفء الوجودي الذي يلامس الروح…

تلك الحاضنة النفسية التي تحتضن وتُدفِئ…

لا بضم الأيدي…

بل باتصال الأرواح.

الاستيعاب أم الاحتضان؟

الاستيعاب: قراءة كتاب بلا قلب…

مشاهدة فيلم بلا انغماس…

عدّ الجروح بلا لمس الآلام.

أما الاحتضان الوجودي…

فهو أنت تنفس مع كل زفرة…

أنت تلامس مع كل دمعة…

أنت تحضن كل جرح…

مع وعي تام أن هذه الجروح ليست جروحك.

الاستيعاب إلزام وقبول سلبي…

الاحتضان اختيار وعطاء حر.

الاستيعاب استنزاف واستهلاك…

الاحتضان تجديد وتبادل.

كلمات من القلـم

لا أطلب فهمك لي…

بل أطلب مساحة وجودي.

كما أنا…

في حضورك…

دون حاجة لتبرير كياني.

هذا الحضور ليس:

  • شفقة تمتهن الكرامة
  • واجب يثقل الروح
  • استيعاب يبتلع الهوية
  • تنازل يذيب الذات

الوعي في الاحتضان

هذا الحضور الواعي ليس سذاجة…

بل بصيرة كالبحر…

يستوعب كل ما يأتيه…

لكن له خطوط شاطئ واضحة.

الحضور الصحي ينادي:

“أرى ألمك…وأمشي بجانبك…

وأذكرك أن هذا ألمك أنت”

“أسمع أنينك… لكنني لست مصدره”

“أرى دمعك…لكنني لست مسؤولاً عن تجفيفه”

“أحتضن جرحك…دون أن يتحول إلى جرحي”

فن البقاء نفسك

هذا هو الفارق النبيل بين:

  • التعاطف: أشعر معك وأظل أنا
  • الذوبان: أضيع فيك وأفقدني

أسمى أشكال الاحتضان:

أنت تحتوي ذاتك أولاً…

فتعطي الآخرين من فيضك…

لا من جوعك.

أن تقول: “أراك تتألم… وأنا بجانبك”…

لا أن تقول:”ألمك صار ألمي”.

ختام الحكمة

إلى كل من أخذ من مساحتي القلبية:

لا تستغل هذا العطاء…

فإن لم تبادلني حضورًا بمثله…

فاعلم أن النفوس تصدأ…

والأنوار تخفت…

والقلوب كالنباتات… تذبل حين تُحرم الري.

الحدود ليست قيودًا…

بل هي أغشية رقيقة تسمح باللقاء… وتمنع الذوبان.

فن الوجود الواعي هو إتقان البقاء نفسك…

مع منح الآخر مساحة ليكون هو.

الاحتواء: ليس محطة وصول…

بل هو رحلة دائمة…

تبدأ من الداخل…

فمن لم يعش حضوره الذاتي…

كيف يمنح الآخرين حيزًا من كيانه؟

 اقرأ أيضا

سماحة سليمان تكتب لـ «30 يوم» : كسر التّعوِيذة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى