توبفن و ثقافةكُتّاب وآراء

د. أمل رمزي تكتب لـ «30 يوم» : هنا يقف التاريخ إجلالًا لمصر

لم تكن مصر في يوم من الأيام دولة عابرة في التاريخ بل هي التاريخ ذاته ، وحين تقرر أن تبني المتحف المصري الكبير، فهي لا تُشيِّد مبنى من الحجارة والزجاج، بل تُقيم جسرا بين مجد الأمس وطموح الغد ، فالمتحف ليس مجرد صرح أثري، بل مشروع وطني جامع، يُعيد تعريف العلاقة بين الحضارة والتنمية

لقد أدركت الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي أن بناء الحاضر لا ينفصل عن استلهام الماضي، وأن الأمم الكبرى هي التي تصنع مستقبلها بأيديها، كما حفظت ماضيها بعقولها ، من هنا جاء المتحف المصري الكبير كأحد أعظم المشروعات الثقافية في القرن الحادي والعشرين، يختصر في تفاصيله فكرة الجمهورية الجديدة

يقف المتحف المصري الكبير على أعتاب الأهرامات في مواجهة الزمن، ليقول إن مصر لم تغب عن مسرح الحضارة يوما ،فكل ما في هذا المشروع يحمل بصمة مصرية من التصميم إلى البناء، ومن التغليف الأثري إلى إدارة الإمداد والنقل ، لقد شاركت المصانع الوطنية في تصنيع الحوامل المعدنية والتجهيزات الداخلية، وواجهات العرض بمعايير دولية، لتعلن أن الصناعة المصرية لم تعد صناعة مقلدة، بل صارت شريكا في حفظ التراث الإنساني

ولأن الحضارة لا تزدهر بمعزل عن البنية التحتية فقد ارتبط المتحف بشبكة نقل ذكية تجعل الوصول إليه رحلة حضارية في حد ذاتها ؛ خط المترو الرابع بمحطتيه «المتحف المصري» و«الرماية»، والأتوبيس الترددي الكهربائي السريع BRT، ومحاور الطرق الحديثة التي تربط غرب القاهرة بشرقها والعاصمة الإدارية الجديدة ، كل ذلك يجعل من المتحف مركزا مفتوحا على قلب الدولة ومجتمعها الحديث

المتحف لا يخاطب الماضي فقط بل يستثمر فيه من أجل المستقبل ، فهو نموذج لاقتصاد معرفي جديد، يربط بين الصناعات الثقافية والسياحة المستدامة، ويفتح آفاقا لصناعات التصميم والنحت والزجاج والمعادن الدقيقة ، كل قطعة أثرية هنا يمكن أن تكون مصدر إلهام لمنتج صناعي، وكل سائح يزور المتحف هو فرصة لتشغيل عقول وأيادٍ مصرية

هكذا تتحول الثقافة إلى قوة اقتصادية والصناعة إلى وسيلة لصون الهوية ، إنها فلسفة مصر الحديثة التي تمزج بين الحضارة والإنتاج، بين الأصالة والتكنولوجيا، لتقدم للعالم نموذجا فريدا لدولة تعرف كيف تُدير تاريخها، وكيف تُحوله إلى طاقة تنموية.

في افتتاح المتحف المصري الكبير لا تحتفل مصر بآثارها القديمة بل بعقلها الحديث ، إنها تقول للعالم إن أمةً شيّدت الأهرامات بقدرةٍ على الخلود، تستطيع أن تبني متحفا يوازيها في العظمة والمعنى

إنه ليس فقط صرحا ثقافيا، بل رمزا لإرادة وطن قرر أن يصنع مجده مرتين ، مرةً بالحجر في الماضي، ومرةً بالعقل والإرادة في الحاضر ، وسيبقى المتحف المصري الكبير شاهدا على أن مصر لا تكتفي بصناعة التاريخ بل تُعيد كتابته من جديد.
حفظ الله مصرنا الحبيبه.

 اقرأ أيضا

د. أمل رمزي تكتب لـ «30 يوم» : ليست خارطة طريق بل مشروع احتلال بغطاء أمريكي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى