توبكُتّاب وآراء

خالد سالم يكتب : يحدث في السودان الآن .. قصة حقيقية

كان الليل بدا يغطي على بيت صغير في واحد من أحياء الخرطوم، لمّن شاشة التلفون اتنورت بنور أزرق خافت. الولد نظر للشاشة، لقى اسم أبوه ظاهر في الماسنجر. ابتسم إبتسامة عفوية، ديك الابتسامة الما بتجي إلا لمّن أبوك يتصل بيك.

ضغط على زر الرد وهو مشتاق، منتظر يسمع صوت أبوه الدافي يقول ليهو: “قول لأمك تجهز العشا يا حبيبي، أنا جاي”، أو يمكن: “داير أجيبلك حاجة وأنا جاي؟”

لكن الصوت الجاهو كان مختلف.

كان مترعش، مكسور، شايل تقل الدنيا كلها.

“يا ولدي…”

قلب الولد وقف عن الدق لحظة.

“يا ولدي… اسمع كلامي زين.”

الدموع بدت تتجمع في عينين الولد من غير ما يفهم ليه.

“أنا… أسروني. الدعم السريع قبضوا علينا. أنا قاعد في الطابور دلوقت… منتظر دوري.”

التلفون وقع من إيد الولد، لكنو لقفو بسرعة، إيدو بترعش.

“يابا… يابا لا… ما تقول كدا.”

“اسمعني يا ولد… ما عندي زمن كتير. أنا عايزك توصل كلامي لأمك. قول ليها إني بحبها. قول ليها تكون قوية. قول ليها تحافظ على إخوتك.”

“يابا… يابا أرجوك…”

“إنت راجل البيت دلوقت يا حبيبي. والرجال ما بيبكوا. ما تقلق وافتخر بأبوك… أنا شهيد إن شاء الله.”

صوت الأب كان مترعش، لكنو بحاول يبان قوي، يدي لابنو القوة في لحظتو الأخيرة. ما كان خايف من الموت، لكن كان موجوع من فكرة إنو بودع ابنو وهو لسع عايش، إنو بفقدهُم قبل ما يموت.

الأب بدا يردد بصوت واطي: “لا إله إلا الله… سيدنا محمد رسول الله…”

“يابا… يابا ما تسيبني… يابا!”

“بحبك يا ولدي… بحبكم كلكم… سامحوني لو قصرت معاكم…”

ومن بعد فجأة… صمت.

الإتصال انقطع.

التلفون وقع من إيد الولد مرة تانية. ركع على ركبو، وانفجر يبكي. ما كان بيبكي زي العيال، كان بيبكي زي راجل فقد أبوه، زي راجل اتحمل مسؤولية ما كان مستعد ليها، زي راجل عارف إن حياتو اتغيرت للأبد في دقايق معدودة.

أمو دخلت الأوضة مسرعة لمّن سمعت بكاه.

“مالك يا ولدي؟ شنو الحصل؟”

نظر ليها، وما قدر ينطق. كيف يقول ليها؟ كيف يقول ليها إن زوجها، أبو عيالها، ما ح يرجع؟

مسك إيدها، وبصوت متقطع قال: “بابا… بابا قال أقول ليك إنو بيحبك.”

الأم فهمت كل حاجة من نظرة عينو. وقعت جنبو، وضمتو لصدرها، وبكوا مع بعض في صمت الليل التقيل.

في الليلة ديك، بيت صغير في السودان فقد عايلو.

وفي الليلة ديك، ولد صغير بقى راجل قبل أوانو.

وفي الليلة ديك، السما كتبت اسم جديد في سجل الشهداء.

ده بيحصل في السودان دلوقت.

دي ما رواية، دي ما خيال أدبي. دي قصة حقيقية، واحدة من آلاف القصص البتتروى كل يوم من أرض السودان الجريحة.

السودان بتبكي. اتكلموا عن الفاشر.

(اللهم ارحم ضعفهم وثبّت قلوبهم، وانصر كل مظلوم ما لاقي ينصرو إلا إنت يا عزيز يا جبار..)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى