توبصحةكُتّاب وآراء

الإعلامية الجزائرية كريمة الشامي تكتب لـ «30 يوم» : الخوف … بين حكمة الدماغ وإيمان القلب

الخوف ليس ضعفًا كما يظنه البعض، بل آلية عصبية مقدّسة أودعها الله فينا لحمايتنا من الهلاك.

إنه أول صوتٍ يهمس فينا حين يقترب الخطر، فينبهنا بأننا أحياء.

في علم النفس العصبي، يُعرَّف الخوف بأنه استجابة فسيولوجية يولدها الدماغ عندما يفسر حدثًا ما على أنه تهديد، فيطلق سلسلة من التفاعلات الكيميائية داخل الجسد تُعرف بـ نظام “القتال أو الفرار” (Fight or Flight Mode).

في هذه اللحظة، تُرسل اللوزة الدماغية (Amygdala) إشارة استنفار إلى الجسد، فيُفرز الأدرينالين والكورتيزول، فيتسارع نبض القلب، وتتسع الحدقة، ويتهيأ الإنسان للمواجهة أو للهروب.

هي غريزة البقاء التي أنقذت الإنسان الأول من فكي الوحوش، لكنها اليوم تستيقظ أحيانًا في وجه فكرة، أو ذكرى، أو كلمةٍ تُعيد فتح جرحٍ قديم.

الخطر لم يعد خارجيًا دائمًا، بل يسكن في العقل، في أوهامنا ومخاوفنا من الغد.

وهنا يتحوّل الخوف من حارسٍ أمين إلى سجنٍ داخليٍّ لا يُرى، لكنه يُطفئ النور في أرواحنا.

قال تعالى:

“إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” (آل عمران، 175)

الخوف في القرآن ليس مرفوضًا، بل مُوجَّهًا ومهذَّبًا.

فالخوف من الله يطهّر القلب ويوقظ الوعي، بينما الخوف من الناس يطفئ الإيمان ويقيد الحرية.

إنه مقياس الاتزان بين العقل والإيمان، بين الفطرة والغريزة.

أما في علم النفس الحديث، فيُعالج الخوف عبر العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، الذي يعلّم الإنسان كيف يفرّق بين الخطر الحقيقي والوهمي.

حين ندرك أن ما نخافه غالبًا ليس واقعًا، بل توقّعًا، نبدأ أول خطوة في التحرر من الخوف.

فالخوف طاقة… إن وجهتها نحو الله أصبحت تقوى، وإن وجهتها نحو الناس أصبحت قيدًا.

لا تهرب من خوفك، بل افهمه، لأن الوعي به هو العلاج،ولأن الله لم يخلق الخوف ليعذبك، بل ليهديك إلى طريق الأمان.

 اقرأ أيضا

الإعلامية الجزائرية د. كريمة الشامي الجزائري تكتب لـ «30 يوم» : ثقافة المقارنة .. حين نصبح سجناء صور الآخرين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى