سامي صبري يكتب لـ «30 يوم» : طهروا الحصانة البرلمانية

منذ تعديل النظام الانتخابى فى مصر من الفردى إلى القائمة النسبية فالمطلقة ثم النظام المختلط (الجمع بين القائمة والفردى)، لم يعد لمقعد (كرسى) البرلمان أى قيمة لدى الشعب؛ وهو ما يكشفه ذلك الفتور الشديد الذى يصل أحيانا إلى حد مقاطعة الانتخابات، وانخفاض نسبة التصويت الحقيقية إلى أدنى الدرجات، رغم كل محاولات وضغوط السلطة التنفيذية لإجبار الموظف أو العامل والفلاح على الخروج للتصويت، وإلا سيصبح معارضًا أو غير راضٍ.
ويا ويله من يتم تصنيفه هكذا، سيحرم من الحوافز والترقيات ومن الأسمدة والمستلزمات إن كان مزارعًا، وغيرها من الممارسات غير المشروعة من كبار المسئولين ومن يتطوعون لخدمة المحظوظين؛ لنيل جائزة الاستمرار فى المنصب وتحقيق الكثير من المصالح الشخصية لهم وللأبناء والأقارب والأصحاب والأحباب.
وبعد زواج المال والسياسة فى قوائم الانتخابات، واختيار عدد كبير من رجال الأعمال المتحكمين فى مفاصل الحياة الاقتصادية، ودفعهم ملايين الجنيهات لشراء كرسى البرلمان (شيوخ ونواب) دون خبرة سياسية ولا قاعدة شعبية ولا أى علاقة بأبناء الدائرة؛ ظهرت على الساحة السياسية ظاهرة «نواب البراشوت» والذين يقفزون من حزب لآخر ويقتحمون العملية السياسية بسلاح التبرع؛ طمعًا فى حصانة تزيدهم ثراء وتوغلًا فى أروقة السلطة التنفيذية، وتمكنهم من إنجاز مشاريعهم ومصالحهم الشخصية من أقصر وأسرع طريق.
هذه الظاهرة دفعت الكثيرين من الشرفاء والغيورين على الوطن، وعلى الحياة السياسية والنيابية للمطالبة بتطهير الحصانة بإلغائها خارج البرلمان وقصرها بداخله؛ لضمان التمثيل الأفضل للشعب؛ ولتخفيف قبضة المال السياسى وتحكمه فى اختيار النواب.
نعم الحصانة البرلمانية بشقيها الموضوعى والإجرائى حق كفلته الدساتير وطبقته بريطانيا عام 1688 وفرنسا 1791 قبل أن ينتشر فى معظم دول العالم ومن بينها مصر(1882)، إلا أن هناك فارقًا كبيرًا من التطبيق عند هؤلاء وعندنا، وبين تركيبة الحياة السياسية وتمويل العملية الانتخابية هناك وهنا، ففى الخارج لا يدفع المرشح حتى يأتى فى قائمة لا تنافسها قائمة أخرى أو مفروضة فرضًا على أبناء الدائرة، بعكس ما يحدث لدينا تمامًا، «معاك فلوس أدخل ودوس ولا تحضن ولا تبوس».
فما الذى يدفع مواطنًا لشراء مقعد برلمانى «خلف ستار التبرع» بعشرين أو خمسين وسبعين مليون جنيه؟ هل يدفع من أجل رغبة حقيقية فى خدمة الشعب وإثراء الحياة الحزبية التى لا يعلم عنها شيئًا؟ أم فى الفوز بحصانة ينطلق بها لإتمام مشاريعه المعطلة وممارسة البلطجة الناعمة؟!
الواقع يؤكد أنه لا يوجد نائب يدفع كل هذا المبلغ من أجل عينى المواطن، وإنما للفوز بمميزات الحصانة، والتقرب من أصحاب السلطة والقرار؛ للهروب من البيروقراطية والأعين الرقابية ومن العدالة أحيانًا، وسبق أن شاهدنا وما زلنا، نواب القروض والآثار والممنوع ومن يورثون مقاعدهم للأبناء والأحفاد.
رغم فساد العصور السابقة، إلا أن معظم الوجوه البرلمانية كانت تملك الخبرة القانونية والكفاءة السياسية والحزبية، وهذا لا يعنى أنى من مؤيدى عصور الفساد، ولكن تلك كلمة حق تقال عند المقارنة بوجوه «البراشوت» وقوائم خراب الحياة السياسية.
فى ضوء ما شاهدناه مؤخرًا من اختيار سىئ وترشيح أسوأ لأعضاء الشيوخ والنواب، أصبح تعديل ضوابط ومعايير الحصانة البرلمانية ضرورة حتمية؛ لنرى تمثيلًا جيدًا للشعب تحت قبة البرلمان، فبشكلها الحالى وما يدفع فيها من ملايين أصبحت درعًا واقيًا لتمدد الفساد، عندما يضطر المسئول لفتح درجه وجيبه وبسط يده للرشوة من مستثمرى الحصانة البرلمانية.
إن ما حققته مصر من مكاسب وإنجازات دولية وإقليمية ومحلية، يتطلب من القائمين على إدارة شئون شعبها خلق نظام سياسى يليق بها، ويتواءم مع ظروفنا الاقتصادية وموروثنا البرلمانى، ولنبدأ برفع الحصانة عن العضو خارج البرلمان، وعندها لن يتقدم أحدهم ويدفع كل هذه الملايين التى لا يمكن تعويضها بالراتب والبدل فقط، وإنما بالتسهيلات والصفقات المخملية التى تعقد خفية باسم الحصانة القانونية.
SAMYSABRY19@GMAIL.COm
اقرأ أيضا
سامي صبري يكتب لـ «30 يوم» : الخطر يهدد صفقة المناورات