توبكُتّاب وآراء

حمدي رزق يكتب .. فقراء ولكن كرماء!!

وفى الحديث القدسى، «وأحب الغنى الكريم وحبى للفقير الكريم أشدّ».

لم يخب «الفقراء الكرماء» ظنى يومًا، وصباح أمس وعلى عربة الفول، وقف أسطى مكدود، الشقى باد على كفيه، يتناول فطوره بتلذذ، فول بالليمون والزيت الحار، مع بصل وباذنجان مخلل..

قبل أن تصل اللقمة الهنية إلى فمه، قصدته عجوز مكدودة تطلب إحسانًا، فما كان من الأسطى الكريم إلا أن سألها (إنت فطرت؟)، فردت خجلا، الحمد لله، زعق على صاحب العربة، نزل لأمى فطار، وتفانى كابنها فى خدمتها، حتى أكملت فطورها وسط غبطة الطيبين، الشاكرين، الحامدين..

لفتنى مكرمة هذا الأسطى ابن البلد، أطعمها مما يأكل، ولم يصرفها لحال سبيلها، ولم يتجاهلها، ولم ينهرها، أكرمها أيما إكرام.. وتمتم بعضهم حامدين حسن صنيعه (ربنا يبارك له).

الكرماء يتبعهم الطيبون، وفيهم (فى الكرماء) قيل «أكرم من حاتم الطائى»، وهى مقولة شهيرة لرجل عاش فى القرن السادس وبلغت سمعته بلاد الهند وطالت بلاد الروم، وذكره النبى محمد صلى الله عليه وسلم فى بعض حديثه، وكان الجود والكرم صفات متأصلة فيه وفى قومه.

المصريون مفطورون على الكرم، ويصدق فيهم القول «أكرم من حاتم الطائى» ومن فرط جودهم وكرمهم حتى ظننت أن حاتم من جلدة المصريين، ولم يخب ظنى أبدا.

والمصريون اشتقاقًا من حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وتباركا بعظيم كلماته، (فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

كل هنيهة فرصة تسنح لإظهار آيات الكرم والجود، فلا تبخلوا على الطيبين المتعففين بكرمكم، وأكرموهم بطيبكم، ولا تقتروا عليهم.

على ذكر الفقراء الكرماء، كتبت ذات مرة عن «الكرماء»، وتمنيت على كاتب كريم أن يسجل آيات من كرم المصريين، وكما سجل «الجاحظ» ما تيسر من سيرة «البخلاء» فى كتابه الشهير، من حق «الكرماء» كتاب يسجل متون الكرم عند الكرماء، ومنهم الفقراء الكرماء.

للأسف، بخلت المكتبة العربية بكتاب عن «الكُرَماءُ» فى شهرة كتاب الجاحظ، ويستحقون كتابًا يوثق آيات الكرم، وإن تعدوا آيات الكرم لا تحصوها.

ليت كريم يتكرم علينا بكتاب عن الكرماء، وهم بين ظهرانينا كثر، فى شوق إلى كتاب عامر بالحكايات والشخوص والبيوتات الكريمة مفتوحة الأبواب لا ترد سائل بل تسبغ عليه من الكرم.

الروائى الشهير «ماريو بارجاس يوسا» يصك تعبيرًا راقيا «الكرم هو أن تعطى أكثر من استطاعتك، وعزة النفس هو أن تأخذ أقل مما تحتاج».. والأسطى الطيب أعطى أكثر من استطاعته، ربما لا يملك فى جيبه سوى ثمن فطوره، وعزة نفس السيدة الطيبة أن اكتفت بالفطور وحمدت الله وانصرفت هانئة بالكرم.

بين ظهرانينا كرماء مقدرون، وبسطاء متعففون، الكرماء فضلهم سابغ، وكرمهم حقيقى، والكرم الحقيقى هو أن تكرم شخصا (ما) لن يكتشف كرمك أبدًا.. ومن الأمثال العربية «أما الكريم فيزدهر، ومن ينعش الآخرين ينتعش..».

المصري اليوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى