توبكُتّاب وآراء

الإعلامي العراقي حسين الذكر يكتب لـ «30 يوم» : مجرد أضغاث !

حتى مرحلة عمرية متأخرة ظلت تطاردني بعض المنغصات في النوم التي أفزع ليلا من هول صراخها  حينما استشعر خطر ما يراودني على شكل كوابيس منوعة تدور أغلبها كعمليات خنق أو سقوط من مرتفع أو مطاردة شبحية طويلة أو أي نوع من المخاوف التي أعيش هواجسها نهارا فتعتصرني ليلا .

تلك الحالات النفسية ظلت بلا علاجات كونها انعكاس طبيعي لما نعانيه من بيئة مكتنزة المصدات تحيط بنا منذ زغاريد الولادة حتى نوائح الرحيل سيما القسري منه.

في واحدة من أسرار الكون التي ظل الانسان عاجزا عن فهم كنهها برغم كل ما قيل ونقل وتفنن عنها .. كما أن التطورات التقنية التي أحالت شاسعات الأرض بمحيطها وتربتها وجبالها وتعدد قاراتها ألى مجرد قرية حقيقية يمكن ان تعيش تفاصيلها اللحظية خبريا واستشعاريا  لم تنجح بوضع تفسيرا دقيق لحالات الرعب الليلي الذي نمر به بما يمكن اختباره تحت مبضع الجراح المختبري بما يعد قاعدة يعقل للانسان الاستناس بمخرجاتها دون احراج مسبقا او ملحق .

أضغاث احلام .. واضطرابات نفسية .. وتداخلات جسدية وروحية .. ونتاجات عقل باطن .. ووحي سماوي يمكن ان يتلمسه اشخاص معينين .. هكذا تدور رحى التفسير والتعليل بجميع ما سطر منها او تطير عنها لكنها اخفقت بخلق حالة من الثبات والاستقرار الذي يمكن البناء عليه في تتبع التفسيرات وجعلها طيعة بما يخدم الانسان المتحضر .

في واحدة من ابسط التفسيرات التي تناولها الحالم والمفسر له بما نسميه نبؤات معينة وان ظلت بلا تفسير علمي الا انها شكلت مرتكزا لقبول محتدمات الليل واضطرام كوابيس النوم المداهمة لنا بصور شتى ..  فقد عشت مطلع ثمانينات القرن المنصرم حالة سمعت فيها ابي في صباحات يوم حزين يقول لامي ( رحمهما الله ) ونحن مجتمعين حول مائدة الافطار وكانت اسرتنا مبتلية بفقد اثنين من شبابها آنذاك : ( لقد حلمت بفارس سماوي يوزع للناس خبزا .. وقد أعطاني شدة واحدة قائلا لي انها تكفي ) .. وقد فسرها ابي ان احد ابناءه سيطلق سراحه فيما الاخر لن يعود ابدا .. مع انه لم يحدد من سيعود ومن سيموت كما انه لم يات بمفردة الموت على لسانه الا ان امي التقطتها بحاسة الامومة وفسرتها احساسا صرخت بعويل شجين كان خبرا حقيقيا حل بنا .. مع انه مجرد حلم لكن ( امي وابي ) تعاطوا مع الخبر المزعوم بحزن لاخي الفقيد الابدي وبامل يخص من سيفرج عنه .. لم تمض الا ايام قلائل حتى زفت لنا بشرى خبر احد الاخوين الذي عاد بعد مدة قصيرة فيما غيب الاخر وماتا ابي وامي دون ان يقفوا على خبر او قبر او اثر له ) .

هنا لست بصدد سرد الماساة والفجع الذي تعانيه امم وشعوب حيث تقف الضحايا على بعد خطوة من العصف السياسي بعذر جاهز يتسق مع مصالح .. لكني هنا ابحث عن تفسير مقبول عما نسميه وحي حلمي او خطاب غيبي …

عشت تجارب شخصية عدة بما يمكن ان اسميها نبوءات النوم .. مع اني لست من الحريصين على النوم بطهارة  او دنس لم اقع تحت طائلته يوما او ساعة ما .. لكن الكثير من اخبار الليل التي لم احط او احفظ جميع تفاصيل فلمها السينمائي الذي طاف علي ليلا  ولم يتبقى منه في ذاكرتي الا النزر..

(أضغاث احلام ) هكذا سمتها الكتب المقدسة كما وجدتها في حوارات افلاطون وقبله ملحمة كلكامش وما ابعد من ذلك اللوح تاريخيا وفي حضارات ما زالت مندرساتها لا تمتلك يقينية اخبار السلف وعما كان يجري في ممالكها . لم يستطع كتاب او شخص ما اومما تعلمته ودرسته واطلعت عليه ان يبعث الاطمئنان التفسيري لايحاءات الليل .. التي ما زالت يكتنفها الكثير من الغموض الذي يواجه بحكايات شخصية وتفسيرات مزاجية وربما مصلحية .. فضلا عن امكانية الطعن بصحة الراوي فضلا عن روايته مع شائعية وتاثير اخبارها ومروياتها سيما في الاحداث المضطربة والمخاوف المسلطة والتوقعات التشائمية .

عشت بعض التفاصيل المشابهة لذلك حينما نام ولدي في المشفى نومته الاخيرة التي لم يسلم منها كما انبئني الاطباء والمحللين وكانهم كانوا يطلقون الرصاص على قلبي كلما سالتهم عن حاله . وقد هلعت يوما من فراشي موقظا زوجتي : ( اين ولدي؟ اين ولدي؟ ) فقالت لي : ( اسم الله اسم الله .. انك تحلم هدا روعك انه بالمشفى ومعه اخيه واقاربه ) . فلم اتوان في سريري لحظة وارتديت ما يستر جسدي ونزلت مسرعا الى مشفاه فوجدت الوضع طبيعي مع ان اجواء الخوف مخيمة على زوايا المشهد .. لكني بقيت فزع ولم يهدا بالي ولم ابح زيادة عن حلمي بعد ما ارعبني مشهد هل التراب على ولدي امام عيني .. لم تمض الا ايام تعد بالساعات حتى نعي الخبر الذي البسني ثوب الحداد الابدي سيما وقد رأيته حلما لطمني بقادم آت لا محال منه .. بكيته دهرا ولطالما ابتلت وسادتي دون علمي اذ نزلت تغسل تفاصيل ما رأيته في المنام بالساعات الحرجة وما أرتسم منها ابدا في خاطري جراء واقع حال قد وقع بكل ثقله المرعب علي  وان انبئت به مسبقا عبر وسائل تسمى اضغاث احلام لكنها حتما لم تكن ولا يمكن ان تصنف بهذه السذاجة !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى