حمدي رزق يكتب .. دبلوماسية الصبر الاستراتيجي !

إطراء حضور قمة شرم الشيخ على اداء فريق الدبلوماسية المصرية، إطراء صادف أهله وهم أهله ..
فريق متناغم، أقرب لأوركسترا سيمفوني يعزف لحن وطني بجماعية مدهشة، واحترافية خيالية، وكلما ران عليهم الصمت، إذا هم يتجهزون لمعزوفة سلامية تطرب العالم المروع بالحروب والضحايا والمجاعات .
مدرسة الدبلوماسية المصرية من المدارس الوطنية العريقة، وتخرج أجيالا تستبطن كلمات النشيد الوطني، و تعزفه بقلوبها قبل عقولها، الدبلوماسية المصرية لها قلب واجف على منعة الأوطان .
تألق الدبلوماسية المصرية ليس وليد الصدفة أو صادفها حظ سعيد، لكنها بنيت على مبادئ حاكمة، وتوجيهات رئاسية راشدة، وأفكار مؤسسة، وقواعد راسخة، وعنوانها العريض المصداقية، وتتعامل بشرف في زمن عز فيه الشرف.
صبر جميل ، وتصبر كثيرا، صبر لا يعرف الكلل ولا الملل، تنسج بصبر وأناة مشروعها لسلام المنطقة .
وتعتمد فقه الموازنات ، كيفية الموازنة والترجيح بين المصالح والمفاسد المتعارضة ، وتوازن .. ما يسمى “الاتزان الاستراتيجي” بين المصالح الوطنية، والمصالح القومية .
دبلوماسية نابهة ، تعرف قضاياها الأولى بالرعاية حق المعرفة، لديها إلمام بفقه الأولويات الوطنية ، ولم تفرط يوما في حق اعتقدته، ولم تتولَ يوما عند الزحف، ودوما لديها بدائل لما استعصي على الحل .
الدبلوماسية التي أنتجت اتفاق شرم الشيخ، والزخم العالمي من حوله، جديرة بكل هذا الإطراء، ولافت التواضع الذي عليه منتسبي هذه المدرسة العريقة، ( خارجية ومخابرات ) ، الدبلوماسية الوطنية تغير مفاهيم عالمية لفنون التفاوض، والموازنة بين الممكن والمستحيل، ولا تعترف باليأس، دوما هناك فرصة مستوجب الإمساك بها، ولحظة يحتكم السلاح للعقل، وبالعقل الراجح يمكن الجمع بين الأعداء على كلمة سواء إيقاف عجلة الحرب، والغوث الإنساني، إنقاذ روح بريئة كاف لتضع الحرب أوزارها، ومهما كانت مكاسب الحرب على الأرض لا تضاهي كوب حليب يروي ظمأ طفل جائع ..
لماذا الإطراء مستحق، لأن الفسحة السلامية، استنقذت من بين الأطلال، واقتناص لحظة سكون في ضجيج المعارك، والوقوف على أصل الصراع، ومعالجة جذوره، واقتلاع الشر من النفوس، وكبح الغرور، وإيقاف كل عند حده، ورسم خطوط حمراء، وتجييش العالم حول نداء السلام.
لم يرَ العالم مثل هذا الجمع قبلا حول مائدة السلام، وترجمته ثقة في نصاعة الموقف المصري، وصدقية القيادة المصرية، واحترافية الدبلوماسية المصرية في الجمع بين الأضداد على كلمة سواء .
تتعدد وجوه الدبلوماسية المصرية، وتتوالى عناوينها العريضة، من الاتزان الاستراتيجي، إلى الصبر الاستراتيجي، إلى احترام السيادة الوطنية، إلى إحقاق الحقوق العادلة، إلى علاقات حسن الجوار، والرهان على السلام، وهذا رهان رابح لا يخيب أبدا ..
حرب غزة نموذج ومثال على ما نسميه دبلوماسية الصبر الاستراتيجي، تستند ذهنيا، إلى منطق “الصبر الاستراتيجي”، أي الصبر على العدو دون خوض مواجهات كبرى مباشرة معه .
هناك جولات أخرى سيحين وقتها، والصبر الاستراتيجي لا يترجم “التنازل الاستراتيجي”، الدبلوماسية المصرية لم تفرط في حق أخوتنا في دولة مستقلة وعاصمتها القدس على حدود الرابع من يونيو 1967، في سياق حل الدولتين، ورفضت قطيعا التهجير الطوعي والقسري تحت القصف، وأزاحت بعيدا فكرة الوطن البديل، ورسخت حق العودة، وألحت في توفير غطاء دولي لاتفاق شرم الشيخ من مجلس الأمن ..
مصر لم تفرط يوما ولم تتنازل يوما، ولا خطر على قلب بشر، والدبلوماسية المصرية بلسان قائدها الرئيس عبد الفتاح السيسي من يوم 7 أكتوبر 2023، تتحدث بلسان واحد، وجاهرت بلاءاتها الشهيرة، لا للحرب، لا للتهجير، لا للوطن البديل، ورسمت خطوطها الحمراء على الحدود، وطرحت الحلول البديلة، حلولا منطقية وعقلانية ولا تجاوز الحدود .
أخبار اليوم