توبكُتّاب وآراء

خالد إدريس يكتب لـ «30 يوم» : الإرادة المصرية فرضت واقعًا جديدًا

على مدار عامين تقريبًا، واجهت المنطقة واحدة من أعقد الأزمات الإنسانية والسياسية مع تصاعد وتيرة الحرب فى غزة ومحاولات دفع السكان قسرًا نحو التهجير خارج أراضيهم. وفى خضم هذا المشهد المضطرب، برزت الإرادة المصرية كعامل حاسم فى كبح هذا المخطط، حيث أعلنت القاهرة منذ اللحظات الأولى موقفًا واضحًا لا يقبل التأويل: «لا قبول بأى شكل من أشكال التهجير، لا المؤقت منه ولا الدائم».

لم تكتفِ الدولة المصرية بإعلان الموقف، بل ترجمته إلى تحركات دبلوماسية مكثفة وضغوط سياسية على الساحة الدولية، مؤكدة أن أمن غزة جزء لا ينفصل عن أمن مصر القومى، وأن الحفاظ على الشعب الفلسطينى فوق أرضه هو خط أحمر.

أدارت القاهرة اتصالات مع القوى الدولية والإقليمية، رافضة بشكل قاطع أى حلول تنطوى على إفراغ غزة من أهلها. هذا الرفض تحوّل مع الوقت إلى قناعة عالمية بأن التهجير لن يمر فى ظل وجود هذا الموقف المصرى الصلب. وقد شهدت الحدود المصرية فى رفح إجراءات تعكس هذا التمسك، بما فى ذلك منع أى محاولات لاستغلال الممرات الإنسانية لفرض واقع جديد على الأرض.

وجاءت اللحظة الحاسمة حين نجحت مصر فى جمع أطراف النزاع وممثلى القوى الدولية لعقد اتفاق وقف الحرب، حيث جرت تفاصيل التفاهمات على الأراضى المصرية، فى رسالة واضحة بأن القاهرة لا تدير الأزمة من الخلف، بل من موقع القيادة والمسئولية.

هذا الاتفاق لم يكن مجرد وثيقة سياسية، بل كان تثبيتًا لرؤية مصر بأن الحل يمر عبر وقف نزيف الدم وفتح مسار سياسى يحفظ الحقوق الفلسطينية الأساسية، وفى مقدمتها الحق فى الوجود فوق الأرض دون تهجير أو اقتلاع.

وتعزز هذا الدور بعقد مؤتمر السلام فى شرم الشيخ، بمشاركة عدد من قادة العالم، من بينهم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وشخصيات دولية مؤثرة. وقد تحولت القمة إلى اعتراف عالمى صريح بمركزية الدور المصرى فى ضبط توازنات المنطقة والحفاظ على بوصلة القضية الفلسطينية من الانحراف.

لم تتعامل مصر مع الحرب كأزمة عابرة، بل كمعركة وجود تتعلق بمصير شعب وقضية عادلة. ومن هنا جاء التحرك المصرى كضمانة استراتيجية لبقاء القضية الفلسطينية فى صدارة المشهد الدولى، بعيدًا عن محاولات طمس الهوية أو تغيير الواقع الجغرافى والديموغرافى للقطاع.

أثبتت الأزمة ومشهد تجمع الزعماء فى شرم الشيخ، وطريقة تعامل الرئيس ترامب مع الرئيس السيسى ووصفه بالقوى ورفع العلم المصرى على سيارة ترامب بجوار العلم الأمريكى أن القاهرة ليست مجرد وسيط، بل ركيزة أساسية فى حماية الثوابت العربية، وأن الإرادة السياسية المصرية حين تتمسك بثوابتها تستطيع أن تغيّر اتجاه الأحداث وتفرض واقعًا جديدًا يحترمه العالم. لقد كان رفض التهجير هو الخطوة الأولى، أما تثبيت حق الفلسطينيين فى أرضهم وتحويل القضية إلى محور حوار دولى من داخل الأراضى المصرية، فهو الإنجاز الأكبر الذى سجل باسم مصر.

تحيا مصر.. تحيا مصر.. تحيا مصر

Khalededrees2020@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى