توبكُتّاب وآراء

محمد شكر يكتب لـ”30 يوم”: مصر تنتصر في قمة فرض الإرادة والاستقلال الوطني .. شرم الشيخ سابقاً

قلت لكم مراراً أن الأمر ليس كما يبدو، فلا سلطة لنتنياهو على مقدرات الحرب التي أشعلها برفقة حماس، ولا يد تقبض على زمام الأمور في الشرق الأوسط سوى يد ترامب، فنتنياهو في العام الثاني للحرب لم يكن أكثر من كلب صيد مطيع لسيد البيت الأبيض، الرجل الذي يبيع الوهم للجميع، ويسوق العالم حيث يريد تماماً، وباستثناء تعثره في صخرة مصر لم تتغير أهدافه ومصالحه، ولكنه ارتضى باستبدال ما سيناله من سرقة الأراضي الفلسطينية، بمشاركته في نهب ميزانيات إعادة إعمار ما خربه الاحتلال في غزة بواسطة الشركات الأمريكية، ليرضخ لإرادة مصر التي لا تتعارض أهدافها كثيراً مع مخططات الشرق الأوسط الجديد، التي تسير وفق رؤية ترامب لإعادة تفكيك علاقات بلاده في المنطقة وبنائها من جديد على أسس نفعية، والتخلص من أثقال إسرائيل التي تعيق تقدم هذه المخططات مع رغبة نتنياهو لأن يكون التغيير في الشرق الأوسط تغييرا للحدود، وهو ما لا يهتم به ترامب كثيراً كما صورت إسرائيل ذلك، ولهذا فقط قام ترامب ببيعهم الكلام في الكنيست، فلم تحصل إسرائيل على أكثر من كلام معسول، مقابل حصول مصر على عرض مونودراما رديء في شرم الشيخ، ساخراً من قادة العالم الواقفين خلفه، ومستجيباً لكل ما طلبته مصر من ضمانات تنهي المهزلة التي أجل حسمها مراراً، ليبادر أخيراً بوقف تخريب نتنياهو لمصالح بلاده، بعد أن ترك له الحبل ليلفه حول رقبته بإحكام، ويتحمل وحيداً مسئولية الإبادة، مقابل حصول ترامب على كامل الثناء كصانع سلام، حتى لو أدرك الجميع زيف ذلك وتركوا ترامب يفرح بلعبته الجديدة أمام الشاشات كطفل نرجسي كبير.

توقيع ترامب لاتفاق السلام ليس نهاية المطاف، لأن خيارات ترامب تتغير من آن لآخر وفق مصالح وحسابات اقتصادية معقدة، جعلت من مصلحته ومصلحة بلاده أن يوقف هراء نتنياهو، لهذا أطلق عليه رصاصة الرحمة، بعد أن منحه ما تيسر من أوصاف البطولة في خطاب الكنيست، الذي أراه أشبه بتأبين أخير في وداع مسيرة نتنياهو السياسية، فسفاح تل أبيب لن يبقى طويلا على رأس الحكومة الإسرائيلية، وبعد اقتحام نواب يمينيين للكنيست خلال كلمة ترامب في محاولة لوقف توقيعه على اتفاق شرم الشيخ، يراهن وزراء حكومته المتطرفين على إفساد الاتفاق في مرحلته الثانية، فلا تفكيك للحكومة في الوقت الحالي، ولكنها خطوة مؤجلة بالنسبة لإينمار بن جفير وسموتريتش، وهو ما يدركه ترامب تماماً، وكرجل صفقات متمرس منح ترامب إسرائيل ما تريد سماعه من حديث عن انتصار وهمي، رغم إدراك نتنياهو زيف الانتصار الذي يتحدث عنه ترامب، ولكنه أغدق على كلبه الوفي كل الصفات الحسنة، ومنحه هذا الانتصار كلعبة أدرك نتنياهو أن القضاء الإسرائيلي لن يمهله الوقت ليلعب بها، إلا لو منحه ترامب حرباً جديدة في إيران.

فخضوع نتنياهو لن يبقى بلا ثمن ولو حصل من ترامب على الكثير سابقا، ولكنه لن يغادر قبل محاولة إفساد المرحلة الثانية من الاتفاق، ولا يجعلني إذعان ترامب للرؤية المصرية متفائلاً كثيراً، فترامب رجل صفقات يدرك أن تقليص الخسائر مهم لدعم مشروعاته ومخططاته الدولية، لهذا رأى أن تأجيل المعركة أفضل من خسارتها، وادعاء البطولة أسهل من التصدي للقيام بعمل بطولي، وهو ما جعل ترامب يقبل ان يتبنى طرح مبادرة سلام كتبتها مصر من قبل وأحكمت بنودها فرفضها ترامب، ولكنه استجاب لها الآن بل وتبناها بعد أن تخلت مصر عن شرف نسبتها لعقول مخططيها إرضاءً للرجل البرتقالي، لهذا فقط جاء ترامب مهرولاً إلى الرجل الذي رفض الجلوس إليه في المكتب البيضاوي، وجلس يتلقى رؤيته خلف باب مغلق، قبل أن يخرج للإعلام فرحاً باللعبة التي أهداها السيسي إليه، وكما منح نرامب لعبة الانتصار والكثير من الكلام المعسول لنتنياهو، منح السيسي لترامب بخلاف قلادة النيل، لعبة مبادرة ترامب للسلام في الشرق الأوسط، التي لم تلحقه بقوائم جائزة نوبل التي أعلنت بالفعل، ولكن وضع اسمه على مثل هذا الاتفاق يجعل منه رجل سلام ولو بالكلام الذي رفع من عدد الحروب الوهمية التي أنهاها ترامب إلى ثمانية بوقف حربه وكلبه المطيع على غزة.

ويكفي مصر فخراً أن الجميع يعلم أن مبادرة ترامب للسلام مصرية الأصل، وبنود الاتفاق الذي قدمه ترامب صاغتها مصر قبل أشهر، ولكنه أضاف إليها بنوداً غير واقعية ضخمت الاتفاق، فرفضتها مصر وعملت على تعديلها بما يتوافق مع ما طرحته في بداية ولاية ترامب، لهذا فالاتفاق الجديد لم يخرج عن رؤية مصر التي قدمتها حتى قبل تولي ترامب، وقاتل كلاً من بايدن وترامب إعلامياً لنسب الفضل لنفسيهما بشأن وقف الحرب، رغم أن كلا المبادرتين ليستا أكثر من إعادة صياغة للمبادرة المصرية، وهو أمر لا يعني مصر كثيراً، ففي النهاية حصلت مصر على ما أرادت لها ولأشقائها، بوقف التهجير ومنح القضية الفلسطينية قبلة الحياة، حتى ولو تنازلت عن نسب الفضل لرجالها البواسل، فقط لتوقيع اتفاق حقن دماء الفلسطينيين، الذي نسبه السيسي لترامب مراراً خلال قمة شرم الشيخ الاستثنائية.

والمؤكد أن قمة شرم الشيخ للسلام، فرضت واقعاً جديداً في الشرق الأوسط، يتعارض مع مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي قاتلت إسرائيل لفرضه، وأوقفته مصر بصلابة مواقفها، واستنفار جنودها على الحدود الشرقية والجبهات الدبلوماسية المختلفة، لهذا تحولت قمة شرم الشيخ عملياً، إلى قمة فرض الإرادة المصرية، قمة الحفاظ على السيادة والاستقلال الوطني، وقمة الانتصار لجوعى غزة الضعفاء، ولقضية كان لها ألف أب، فغدت لقيطة بعد أن انفضوا من حولها فانفضت من حولهم، لتبقى مصر وكفى، هي مصر دائماً، قاهرة الصعاب، القابضة على حدودها وجمر أشقائها في غابات السياسة الدولية، وستبقى دائماً رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه في حسابات الإقليم الملتهب بثرواته وحماقة الكثير من أبنائه المضللين، ولتكن معركة مصر الأقوى منذ نصف قرن، مثالاً يجب أن يضعه الأشقاء نصب أعينهم، ليتأكدوا أن الاستقلال الوطني لا يشترى بتريليونات الدولارات، أو بتشغيل مصانع الأسلحة الأمريكية بكامل طاقتها لاختزان سلاح لم يوجه إلا لصدور العرب، فالنصر رفيق الصمود والإرادة الوطنية، والخزي رفيق التآمر والمصالح الضيقة لبعض حكام الشرق الأوسط، عاشت مصر حرة مستقلة، ولا عزاء للمنبطحين.

 اقرأ أيضا

محمد شكر يكتب لـ« 30 يوم»: « بورسعيد السينمائي » مخاض عسير وتاريخ من المؤمرات .. قراءة في واقع المهرجانات المصرية.

محمد شكر يكتب لـ « 30 يوم »: قمة الدوحة .. قيادة مصر أو تنصيب إسرائيل حاكماً عسكرياً للشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى