كُتّاب وآراء

الإعلامي العراقي حسين الذكر يكتب لـ «30 يوم» :ملفات ميتة !

أخذت أتفحص الرجل من وجوه عدة قبل السلام عليه .. ثم تسائلت طويلا : (اظنه هو .. هذا الرجل الذكي المشهور في مدينتنا الذي كان يسكن قبالة دارنا ثم غادرها اثر خلاف سياسي كلف الكثير من اصدقائه وأهله وقد اختفى ردحا من الزمن حتى اشيع بانه سافر خارج البلاد متخفيا من بطش الاجراءات وانه يعيش بعنوان معارض سياسي في احدى الدول المجاورة ) .. فتشجعت ودفعني الفضول الى حسم الامر للانقضاض عليه فلم اعد الصبر على تتبع الظن .. فوضعت كفي على كتفه مسلما عليه .. فالتفت الي مبهوتا كانه مازال يعيش هاجس مطاردة السلطات او يمثل دور المعارضة الذي يبدوا انه لم يتخلص من تبعاته برغم تبدل الاحوال تحسن ظروفه ..
بعد تعمق بالنظر من الطرفين دون ان يفصح اي منا للاخر بانه تحت طائلة سؤال من تكون انت !.. اخذتنا لحظة تمرد على الذات وان كانت مضطربة لكن اكتنفتها عملية استرجاع سريع مكثف مركز اخذت ترتسم لتعيد لنا خارطة طريق موغل السنين البعيدة وتفاصيل وجوه غيرها الدهر كسنن طبيعية يجب ان ناخذها بالحسبان .. بعد دقيقة او ثوان من البهتان لكلينا دون ان ننبس ببنت شفة اظنه كان اسرع مني باتخاذ قرار الاحتضان .. اليس انت ؟ نعم وبالتاكيد انت ؟ ثم اتكأنا على كتف الاخر لنبحث عن متكا اوسع واقدر على لملمة اوراق الوجد وفتح ملفات ومجلدات ماض كل ما فيه الم .
تحدثنا بعدد من الذكريات والملفات التي يستبطنها الكثير من الحزن الماضي السحيق والمسحوق .. برغم كل ما فيها من شوق لم يستطع اطالة لقائنا اكثر من لهفة الوجد التي اخذت تخفت رويدا رويدا .. كلما اقدمت الدقائق مسرعة وتقلصت مساحة المفردات .. وكانه لقاء كتب له ان ينتهي بذات الطريق التي بدا فيها حيث لم يتجدول ولم يعد هناك حوارا جديرا بما يفرضه الواقع علينا .. كنا نبحث في الماضي ونتجشا قدر المستطاع ما يمكن عده فرصة لفتح ملف آخر بعد غلق ملف لم يسعفنا الواقع والحال الذي نعيشه وفرضته عقود الاغتراب اكثر مما بحناه للاخر بهذه الدقائق .. كانت فيه الاسئلة تطلق على عجالة تواجه باجابة اسرع .. ثم افترقنا دون ان يكون هناك موعد او برنامج او ايجاز خلاصة للقاء عد من المحالات وقد تحقق باسم القدر والمصادفة التي لم تستطيع اقناعنا بكثير من الاحيان بخلقها فرصة لا يمكن ان تختلق .
لم انم الليل فقد اتصلت بكل ممن يهمه الامر وحاولت ان اخبرهم باني التقيت ( شخص ما ) شكل في احدى محطات الزمن يافطة حمراء حد البكاء والالم والدهشة والحيرة .. هو بدمه ولحمه .. لكن حكاياتي وربما مبالغاتي لم تخلق جوا من القبول لدى الاخرين .. حيث تم نسيان ذلك الملف واندرس مع بقايا تلك المراحل المنسية اذ لا يعتقد احد بامكانية احياؤها او بفائدة من ذلك فاسدال الستار شيء ورفعه شيء آخر .. لذا اختصرت قائمة المبلغين واقتصرت على ردت فعل الاول والثاني … حتى الثالث الذي كان يستمع الي من وراء حدث آخر اهم بكثير مما اخبره فيه حتى شعرت بالتهميش وخجلت من نفسي وقررت ان ارتسم لوحة من لقاء فشلت حتى بالتقاط صورة لتوثيقه .
لم ينتهي الدرس فقد وقعت فريسة نهش الذات . التي راحت تساءلني عن معنى هذا الفضول لنهاية رجل كان يا ما كان منه وحدث ما حدث لاجله لكنه عاد بلا حدث … بعد ان ماتت جلجلته منذ مغادرته الواقع .. لقد كانت عكازاته تنبيء عن بعض اثار الاغتراب اما عدسات عينيه فانها تخبي ما ورائها كم متراكم من الخيبات .. مع انه لم يتحدث عنها ولكن بفطرة الجمع والكسر السريع لم تبدو عليه اي اثار نعمة موفورة مستحدثة او ضائعة .. كل ما في الامر ان الرجل خاض تفاصيل امر لم يعد عليه بامر ما .. بل كان وبالا في الماضي وفضلات ما تبقى من خريف عمر مرتهن بمرارة شواهد واحداث خلت .. وها هو يتسكع معي على ذات سكة قطار آخريات خريف العمر الذي لم يتبق من اراقه المصفرة حتى ما يسع لستر عوراتنا الظاهرة .
من وقع ذلك الكابوس الحقيقي والملف الملتف نمت باكرا مثقلا مرميا على صدري اكثر من وسادتي لم افق الا على صراخات حلم طويل شجين شاهدت فيه الكثير من الراكضين واللاهثين خلف باص صغير لا ينبعث منها الا صفير .. يجاوبه مني شخير .. لكنه شخير حار مثخن الجراح التي ايقظتني قبل طلوع الفجر كي استغفر واصلي وأن تطلب الأمر .. بلا نية او وضوء !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى