مصطفى عبيد يكتب : فضائل فاروق حسني
نتيه فخرا، ونحن نرى العالم يُغير نظرته لنا. ليست مصر خرائب جهل وتطرف. ليست حقل صراع، ومفرخة كراهية، وبلد تخلف. مصر أمة راقية ناهضة منفتحة على العالم وحاضنة للفن والعلم.
تشرئب أعناقنا زهواً، ننتفخ ونبتهج ونشعر بكبرياء مصريتنا. فخلال أيام قليلة تتحول عدسات الشرق والغرب تجاهنا تسجيلا وتوثيقا للحظات تاريخية استثنائية، يتم فيها افتتاح أكبر متحف أثري في العالم هو المتحف المصري الكبير.
سيقف الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومعه ملوك ورؤساء وقادة دول العالم في مشهد مبهر يُدشنون معا مشروع حضاري عظيم، يحوي نحو ستين ألف قطعة آثار تحكي تاريخاً مجيدا لبلادنا العظيمة.
يومها يفرح كل مصري بانجاز حقيقي يرفع الرأس عاليا، ويستحق كل مَن راعوه وأنجزوه تحيات الأجيال.
ولاشك أن فضيلة الإنصاف تضعنا أمام حقيقة ثابتة مُتفق عليها، مفادها أن هذا الصرح العظيم بدأ حلما للفنان فاروق حسني، وزير الثقافة الاستثنائي الذي كان أبرع من تولى هذه الحقيبة الوزارية في تاريخ مصر الحديث.
يستحق الرجل الذي تولى وزارة الثقافة لربع قرن (1987-2011) خلال زمن الرئيس مبارك، تحية تقدير وبسمة امتنان، على صناعة الفكرة والتخطيط لها ورسم المسارات وتهيئة المناخ واقناع العالم والعمل من أجلها.
في يوم ما استاء فاروق حسني من سؤال ساخر لأحد المسئولين الأوربيين عن مصير آلاف القطع الأثرية المحجوبة في مخازن مصر، فرد بعفوية لحظية بأن مصر ستنشى أكبر متحف آثار في العالم ليضم كل هذه القطع. كان الوزير الحالم يُدرك أن الإمكانات المادية – خاصة للثقافة والفنون – عائقا في سبيل إنجاز كثير من المشروعات العظيمة. وكما توقع وقتها فقد سأله الرئيس مبارك عن تمويل مشروعه الذي يحلم به، فأجاب بأن هناك جهات عديدة في العالم يُمكن أن تمول مشروعا عظيما لحفظ التاريخ وتوثيق الحضارة. وبالفعل تم تخصيص 120 فدانا لإنشاء المتحف، وبدأت عمليات الترويج لتساهم مؤسسات أوروبية وإيطالية وعربية كبرى، ليتحول الحلم إلى واقع حقيقي.
قاوم فاروق حسني حملات التشكيك والاحباط، وواصل عمله بدأب، ثم ترك للدولة المصرية مشروعا قابلا للاستكمال راعته حكومات تالية وسانده مصريون مؤمنون بعظمة الفكرة حتى وصل الأمر إلى ما نراه الآن ونعتز به.
وهذا في رأي كثير من المثقفين، وعلى رأسهم صديقي الكاتب الصحفي المخضرم أمجد مصطفى يستحق تكريما وانصافا من الدولة المصرية للرجل الذي فكر وخطط وتحمس للمشروع.
ولاشك أن الانصاف يبدو خلقا رفيعا نبيلا يتسق مع مصر الدولة، التاريخ، الحضارة، والقيم الرفيعة. فشكر مَن يستحق الشكر سمة مصرية أصيلة، وقد عادت هذه السمة للترسخ بقوة في الآونة الأخيرة. وليس أدل على ذلك من اطلاق أسماء قادة ورجال عظام وشخصيات عامة ساندت الوطن عسكريا وحضاريا وفنيا مثل محمد نجيب، سعد الدين الشاذلي، جيهان السادات، طه حسين، ياسر رزق، وأحمد فؤاد نجم، وغيرهم.
وفاورق حسني ليس في حاجة لتكريم، فجيلي وأجيال سابقة ممُتنة للرجل مساندته واشرافه على مشروع “القراءة للجميع” الذي ساهم في تشكيل وعينا الإنساني، وأنجانا من مستنقعات السلفية اللاحضارية، وأذرع الإرهاب البغيض، لكننا على أي حال في حاجة ماسة لتأكيد فضيلة الانصاف والوفاء والامتنان لكل ذي فضل. والله أعلم.
موضوعات ذات صلة
مصطفى عبيد يكتب : محمد علي .. والحلم الضائع




