توبكُتّاب وآراء

خالد إدريس يكتب لـ «30 يوم» : لجنة تطوير الإعلام .. عنوان جديد لسياسات قديمة

أعلن رئيس الوزراء مؤخراً عن تشكيل لجنة لتطوير الإعلام، في خطوة وُصفت رسميًا بأنها تهدف إلى “إعادة تنظيم المشهد الإعلامي وتعزيز دوره في دعم الدولة والمجتمع”. غير أن هذا الإعلان لم يلقَ الحماس المنتظر في الأوساط الصحفية والإعلامية، بل قوبل بكثير من التشكيك والفتور، استنادًا إلى تجارب سابقة مشابهة لم تسفر عن نتائج ملموسة.

فمنذ سنوات، لم تخلُ الساحة من اللجان والكيانات المعنية بـ“إصلاح الإعلام”، لكنها غالباً ما انتهت إلى جلسات حوار مغلقة وتوصيات نظرية لم تجد طريقها إلى التطبيق. اللجنة الجديدة تبدو امتداداً لهذا النمط؛ أشبه بمكلمة رسمية تُضاف إلى أرشيف طويل من الاجتماعات والجلسات والتصريحات التي لا تغيّر من الواقع شيئاً.

بالطبع لا أقصد أعضاء اللجنة ذاتها فجميعهم أساتذة وزملاء مشهود لهم بالكفاءة وكثير منهم تولى او يتولى حالياً إدارة مؤسسات إعلامية ولم يحقق طفرة إعلامية أو تطوير في مؤسسته بسبب المناخ العام وطريقة إدارة الإعلام ، وإذا افترضنا أن اللجنة قدمت خطة عمل واقعية فهل تُترجم إلى إجراءات تنفيذية قابلة للقياس، تضمن التطوير المستدام للإعلام المصري، وتُعيد له دوره الفاعل في خدمة المجتمع والدولة على حد سواء .

الإعلام المصري لا يحتاج إلى لجان جديدة بقدر ما يحتاج إلى رؤية واضحة وإرادة حقيقية تعيد له روحه ومصداقيته. فالتطوير الحقيقي لا يبدأ من تشكيلات بيروقراطية، بل من إطلاق حرية الرأي والتعبير، وتعدد المنابر، وإتاحة المعلومات للمواطنين والصحفيين دون قيود. الإعلام لا يمكن أن ينهض في بيئة مغلقة أو تحت سقف منخفض من الحرية، مهما كانت النوايا حسنة أو الأسماء لامعة.

ولعل المقارنة الأقرب التي تتردد في أذهان كثيرين هي “الحوار الوطني”، الذي استغرق أكثر من عام ونصف في جلسات ومداولات انتهت إلى نتائج محدودة، بينما بقيت القضايا الجوهرية معلقة. والقلق المشروع اليوم أن تتحول لجنة تطوير الإعلام إلى نسخة مكررة من ذلك المشهد؛ عنوان جذاب واهتمام مؤقت، ثم انفضاض دون أثر حقيقي.

الواقع أن الإصلاح الإعلامي لا يحتاج إلى لجنة بقدر ما يحتاج إلى قرار شجاع، قرار بفتح المجال أمام الأصوات المختلفة، وبتحويل المؤسسات الإعلامية إلى منصات حقيقية للنقاش والمساءلة والوعي، والتعبير عن آلام الناس وأحلامها ،لا مجرد منابر ترديد في اتجاه واحد .

باختصار، إذا كان الهدف هو تطوير الإعلام، فالبداية ليست بتشكيل لجنة، بل بإعادة الثقة إلى الكلمة الحرة، والمعلومة الصادقة، والنقد البنّاء ،والمجال العام الذي يحتمل التنوع والاختلاف لا الاستحواذ والتوجيه .

Khalededrees2020@gmail.com

 اقرأ أيضا

خالد إدريس يكتب لـ «30 يوم» : حدث جلل .. وما أدراك ماأكتوبر!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى