ترينداتتوبمنوعات

صالح عطية .. أصغر جاسوس في التاريخ هزم إسرائيل بـ«البيض»

في إحدى القرى الهادئة بسيناء، وفي بيت صغير يجاور بئر مياه، كانت تعيش أسرة بسيطة لا تعرف أن ابنها الصغير سيصبح بعد سنوات قليلة أصغر جاسوس في التاريخ، وأنه سيقلب موازين الحرب بخطة لا تخطر على بال… خطة تبدأ بـ«البيض»!

اسمه صالح عطية، طفل بدوي نشأ على البساطة والعمل في رعي الغنم وتربية الدواجن لم يكن يدرك وهو يلهو بين رمال سيناء أن القدر يخبئ له دورًا سيغير مجرى الصراع العربي الإسرائيلي.

بعد نكسة 1967، حين احتلت إسرائيل سيناء، بدأت المخابرات المصرية في البحث عن طرق مبتكرة لجمع المعلومات من داخل المعسكرات الإسرائيلية وكانت الخطة الأولى تقضي بتجنيد والده الشيخ عطية، لكن الضابط الرائد كيلاني، الذي زارهم في تلك الفترة، لاحظ شيئًا مختلفًا: طفل لا يهدأ، ذكي النظرات، حاضر البديهة وهنا وُلدت الفكرة الجريئة لماذا لا يكون هذا الطفل هو الجاسوس؟

بدأ صالح تدريبه بسرية تامة، ليتعلم كيف يراقب دون أن يُكتشف، وكيف يحفظ التفاصيل الدقيقة في ذاكرته الصغيرة ثم جاء الاختبار الحقيقي عام 1969، حين أُرسل إلى داخل المعسكرات الإسرائيلية في سيناء متخفيًا في هيئة بائع بيض.

يحمل سلة البيض فوق رأسه، ويتنقل بين الجنود الإسرائيليين بابتسامته الطفولية، يبيعهم البيض ويتحدث معهم ببراءة مصطنعة لكن خلف تلك البراءة كانت عيون تراقب وأذنان تسجل وكان صالح يحصي عدد الجنود، ويرصد مواقع الدبابات والأسلحة، ويلاحظ اتجاهات الدوريات شيئًا فشيئًا، كسب ثقة الجنود حتى صار يدخل المعسكر بحرية كاملة.

ومع مرور الوقت، تمكن من نقل معلومات بالغة الأهمية إلى المخابرات المصرية، من بينها خرائط الألغام وأماكن مولدات الكهرباء وخزانات المياه ومخازن السلاح لكن إنجازه الأكبر جاء عندما تمكن من زرع 55 جهاز تصنت داخل مكاتب قيادات الجيش الإسرائيلي، ما مكن المخابرات المصرية من الاستماع مباشرة لما يدور داخل غرف العمليات في قلب سيناء.

كانت تلك المعلومات كنزًا استراتيجيًا ساهم في التخطيط لحرب أكتوبر المجيدة وقبل اندلاع الحرب بشهر واحد، وقررت المخابرات المصرية نقل صالح ووالديه إلى القاهرة حفاظًا على حياتهم.

وعندما جاء نصر السادس من أكتوبر 1973، كانت المعسكرات التي رصدها الطفل تُدمر واحدة تلو الأخرى، والمخابرات المصرية تتابع بثقة نتائج ما زرعه ذلك الصغير بيديه.

كرمه الرئيس محمد أنور السادات بعد الحرب، وأكمل صالح تعليمه، ليلتحق بالكلية الحربية ويتخرج ضابطًا بالمخابرات المصرية عام 1977.

وكان القدر يرسم لوحة بديعة الطفل الذي دربته المخابرات، عاد ليجلس على نفس مكتب الضابط كيلاني الذي آمن بقدراته وهو صبي.

لكن النهاية لم تكن عادية، فبعد سنوات من الخدمة في الظل، رحل صالح عطية في ظروف غامضة عام 1999، عن عمر ناهز 46 عامًا، تاركًا وراءه قصة من أعظم قصص البطولة التي لم يعرفها كثيرون.

قصة صالح عطية تذكرنا أن البطولة لا تعرف عمرًا، وأن الولاء للوطن يمكن أن يبدأ من يد طفل يحمل سلة بيض، ليكتب بها صفحة من أنصع صفحات التاريخ.

رحم الله البطل، الذي هزم إسرائيل ليس بالسلاح، بل بالذكاء والإيمان والوطنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى