توبكُتّاب وآراء

الإعلامي العراقي حسين الذكر يكتب لـ «30 يوم» : في ذكراه (31) .. أبي جرح غائر منذ عقود !

يوم 4- 10 -1994 يوم حزين تكتنفه ذكرى جرح معمق لا يوصف بالكلام ولا يفهم بالقراءة والاستماع فان الدنيا كتاب عصي على الإنسان فهمه وسيظل بعيد عنا مهما بلغنا من علم ادركنا فيها درجة العليم .. وبلغنا من العمر عتيا ..
كل ما أتذكره بطريقي للتسجيل في مدرستي ( الإبتدائية المحمدية ) في مدينة الحرية .. ان والدي ( رحمه الله ) ساقني قسرا الى إلادارة وكنت ارتدي دشاشة بازة .. لم يستطع دفع نصف دينار رسم الدراسة .. وبعد توسل وتوسط المعاون تم تسجيلي على ان يسدد المبلغ قبل امتحانات نصف السنة .
لم يحكي ابي شيء من ذاكرته ونقلا عن أجداده إلا أحداث وحكايات ألم متراكم منذ قرون ينخر أوصال وطن مستباح ما بين عناوين تتغير واسماء تصنع واخرى ترقع ..
رحم الله أبي الذي غادرنا منذ ثلاثة عقود .. وقد حط في العاصمة بغداد بعد الحرب العالمية الأولى مهاجرا اليها من الجنوب حيث الحضارة والقيم والأخلاق والشيم والرجولة والدين … التي أحالها الاستعمار وأذنابه إلى إقطاعيات تستعبد الناس .. مما اضطر الملايين لترك أهليهم وأراضيهم وذكرياتهم بحثا عن الحرية .
ما أذكره عن والدي أنه كان رجلا لا يقرأ ولا يكتب لكنه يحفظ القرآن بصدره لم يؤذِ ولم يتخاصم مع أحد طوال حياته لم يخن ولم يشغله من توافه الدنيا شيء .. ظل مواطنا صالحا لم يعرف من بغداد التى قضى عمره فيها الا العمل والبيت ودور العبادة .. كل ما لحق أولاده واحفاده من فضل وخير هو من فضله والوالدة بعد فضل الله . ..
في أيام العسكرية والضيم الثمانيني كلما عدت مجازا الى أهلي ليلا وجدته قائما يصلي لم اره بغير ذلك المنظر الخاشع المهيب في أول الليل أو غسقه أو فجرا ..
كنت قد تسرحت من الجيش وتزوجت وبسبب كبر العائلة ومشاغلها ومصاعب الحياة وضنكها حدث زعل بيني واخوتي ما جعلني اغادر البيت مستاجرا دار أخرى وقد مرض أبي ولم استطع زيارته في بيت أهلي بسبب خلافي القديم ثم نقل والدي الى مشفى الكاظمية التي كتب الله لي بها فصلًا فجيع لاحقا من عمري بعد مرض ورحيل ولدي وأعز خلق الله على قلبي .. فزرته هناك وكان شبه فاقدا للوعي وكانت أمي تجلس بجواره فقبلت يده وقدمه وخرجت ابكي مريرا .. بعد ذاك بيومين انتقل الى جوار ربه ولم اكن من ضمن مشيعيه .. فبكيت بكاء مريرا وحزنت حزنا شديدا ما زل راسخا حد الألم ..
و ها قد دارت الدنيا دورانها ومرت عقود ثلاث كما تغيرت الاحوال والادوار كما هو حال دنيا لا يوجد فيها جزء ساكن .. بعد كل ذلك الفراق والحزن والاستذكار .. ما زلت اشعر بأن كل قبلة لقدم والدي هي أقدس وأفضل من عباداتي .. كما كنت اكتب واردد لاحقا حتي في منشوراتي الصحفية قائلا : ( ما اجمل الولد بين كنفي والديه ) .. تلك محطة لا يشعر بها الانسان الا بعد فقدها .. رحم الله والدي وأمي واخي وأختي وولدي .. وجميع من سبقونا الى عالم صائرين إليه لا محالة ..
( فللموت فينا سهام غير مخطئة .. ومن فاته اليوم سهم لم يفته غدا )
نسال الله المغفرة والرحمة والقبول .. ونسألكم الفاتحة والدعاء .

 اقرأ أيضا

الإعلامي العراقي حسين الذكر يكتب لـ «30 يوم» : رحلة مع مجنون !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى