أخبار مصرتوبمنوعات

نسائم الجمعة .. زوال الجبال وفناؤها وإشفاقها من هول الموعد

كتب- أحمد أبو زيد

جاءت الآيات القرآنية الكريمة لتبين أن هذه الجبال يوم القيامة تكون كالصوف المنفوش، وأنها تسيّر، وأنها تُفتّت حتى تكون كالهباء المنبثّ في شعاع الشمس.

قال ابن القيم عن الجبال: هذا وإنها لتعلم أن لها موعداً ويوماً تنسف فيها نسفاً، وتصير كالعهن من هوله وعظمته، فهي مشفقة من هول ذلك الموعد منتظرة له، وكانت أم الدرداء رضي الله عنها إذا سافرت فصعدت على جبل تقول لمن معها:

أسمعت الجبال ما وعدها ربها؟ فيقال: ما أسمعها؟ فتقول: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا . فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا . لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا﴾ [سورة طه: 105-107].

فهذا حال الجبال وهي الحجارة الصلبة، وهذه رقتها وخشيتها وتدكدكها من جلال ربها وعظمته، وقد أخبر عنها فاطرها وباريها أنه لو أنزل عليها كلامه لخشعت ولتصدعت من خشية الله.

فيا عجباً من مضغة لحم أقسى من هذه الجبال، تسمع آيات الله تتلى عليها، ويُذكر الرب تبارك وتعالى؛ فلا تلين ولا تخشع ولا تُنيب، فليس بمستنكَر على الله عز وجل ولا يخالف حكمته أن يخلق لها ناراً تذيبها؛ إذ لم تلن بكلامه وذكره وزواجره ومواعظه، فمن لم يلن لله في هذه الدار قلبه، ولم يُنب إليه، ولم يُذبه بحبه والبكاء من خشيته، فليتمتع قليلاً فإن أمامه الملين الأعظم، وسيُرد إلى عالم الغيب والشهادة فيرى ويعلم.

وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ [سورة الكهف: 47].

إنه مشهد تشترك فيه الطبيعة ويرتسم الهول فيه على صفحاتها وعلى صفحات القلوب، إنه مشهد تتحرك فيه الجبال الراسخة فتسير، فكيف بالقلوب؟ وتتبدى فيه الأرض عارية، وتبرز فيه صفحتها مكشوفة لا نجاد فيها ولا وهاد، ولا جبال فيها ولا وديان.

وكذلك تتكشف خبايا القلوب فلا تخفى منها خافية، قال تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾ [سورة الحاقة: 18].

فالجبال الراسية قد نسفت نسفاً، وتحطمت بعد أن كانت حصوناً، وتساوت بالأرض بعد أن كانت تطاول السماء، وبعضها يبث كما يبث الدقيق، فيكون ذرات صغيرة متطايرة. وقد قال تعالى: ﴿وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا . فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا﴾ [سورة الواقعة: 5-6].

إنه للهول الكبير الذي لا يبقي ولا يذر، إنها الواقعة الكبرى التي تبدل الأرض غير الأرض، والسماوات غير السماوات، والناس أين هم؟ قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ . وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ . وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ . لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [سورة عبس: 34-37].

ومن مشاهد يوم القيامة العظيمة: ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ [سورة الحج: 2].

  اقرأ أيضا

نسائم الجمعة .. الإعجاز القرآني في خلق الجبال .. وآية سورة « الرعد » تكشف أسرارا لم تُعرف إلّا حديثًا

نسائم الجمعة .. هل تغضب الجبال .. وكيف غضبها

نسائم الجمعة .. تسبيح وسجود وخشية الجبال .. عبودية المخلوقات لخالقها رغم صلابتها وعظمتها

نسائم الجمعة .. لماذا وصفت القيامة بالوقوع في« إذا وقعت الواقعة » .. والجبال والإعجاز القرآني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى