سامي صبري يكتب لـ «30 يوم» : مجلس سلام لاحتلال غزة

بعد أن فشل نتنياهو فى تهجير الفلسطينيين طوعًا أو قسرًا من غزة، وبعد أن ازدادت عزلته دوليا، وعجز عن إعادة بقية الرهائن عسكريا، تدخل صديقه دونالد ترامب وأنقذه كالعادة بخطة أو مبادرة يضرب بها أكثر من عصفور بحجر واحد؛ تحقيقا لعدة أهداف من بينها: تنفيذ رغبته الأولى فى تحويل غزة إلى «ريفيرا» أمريكية، باستثمارات خليجية عربية غربية، أملا فى أن تكون جزءًا من إمبراطوريته العقارية، أو شركة من شركاته الكبرى، أو تركة خاصة ورثها عن أبيه؛ بزعم أنه يريد غزة منطقة خالية من العنف والإرهاب وواحة للسلام، كما يكذب ويتجمل.
والهدف الثانى، امتصاص غضب المجتمع الدولى، وحفظ ماء وجه صديقه المدلل من آثار خيبة الأمل فى تحقيق أهداف الحرب التى استمرت عامين، دون سحق المقاومة واستعادة الرهائن أو أى إنجاز يقتنع به الشارع الإسرائيلى، ورفاق حزب نتنياهو اليمينى المتطرف.
أما الهدف الثالث فهو القضاء تماما على حماس بنزع سلاحها وتهجير قادتها أو إذلالهم بما يسمى العفو العام، وعدم السماح لهم بأى مشاركة فى حكم القطاع؛ إرضاء للمتشددين فى الحكومة الإسرائيلية الحالية والعمل على بقائها واستمرارها حتى لا تسقط فيسقط معها (النتن) بما يواجهه من تهم فساد داخليا، وجرائم حرب وإبادة جماعية خارجيا.
كل هذه الأهداف، تسير نحو خدمة إسرائيل والاستعمار الأمريكى الغربى الحديث للمنطقة عبر بوابة تل أبيب وعلى حساب القضية الفلسطينية، التى ستبقى دون حل جذرى لعقود أخرى مقبلة، طالما بقيت الصهيونية العالمية تدير الشرق الأوسط من البيت الأبيض الأمريكى، وبقى العرب والمسلمون على هذه الحالة من الانبطاح.
ودليل ذلك، حرمان السلطة الفلسطينية من حقها المشروع فى القيادة والإدارة ضمن خطة اليوم التالى للانسحاب المزعوم؛ بحجة عدم جاهزيتها واحتياجها لإصلاحات، يمكن بعدها (موت يا حمار) بحث مصير الشعب الفلسطينى.
وكان ذلك واضحا فى المؤتمر الصحفى، الذى أعلن فيه نتنياهو صراحة وبحضور ترامب، أن إسرائيل ستحتفظ بمسؤولية الأمن فى القطاع، وتكون لغزة إدارة مدنية دولية سلمية لا تديرها حماس ولا السلطة الفلسطينية؟!
وتجاهل نتنياهو ما قاله حاميه فى المؤتمر نفسه «ستحكم غزة لجنة فلسطينية مؤقتة من التكنوقراط غير السياسيين»، دون أن يذكر بالاسم أى فلسطينى أو مجموعة فلسطينية قد تشارك فى مجلس السلام «هيئة انتقالية دولية» يديرها فعليا تونى بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق وجاريد كوشنر صهر ترامب.
وأعتقد أن نتنياهو هو الأصدق هنا بما كشف لسانه عما اتفق فيه مع (سمسار الحروب) خلف الكواليس على جعل غزة أشبه بولاية أمريكية ومنطقة اقتصادية عالمية تديرها إسرائيل من الباطن، تذهب أرباحها لمهندس الصفقة، منظف جيوب قادة الخليج.
نعم جلس بعض القادة العرب مع ترامب ووضعوا شروطهم لقبول خطته، وتعهد لهم بتحقيق ما طالبوا به من ضمانات تشمل: عدم تهجير سكان غزة، أو إعاقة العودة إليها، وعدم ضم أجزاء من الضفة الغربية وتغيير الوضع القانونى والتاريخى الراهن فى القدس، ولكنهم تناسوا سريعا ما حدث مؤخرا من انتهاكات صارخة واختراقات متكررة من قبل إسرائيل وأمريكا للعديد من الاتفاقات والتعهدات السابقة.
صراحة.. لست متفائلا أبدا بخطة الرئيس الموتور، واعتبرها إعادة احتلال ناعم، بشياكة ودون سلاح، وستثبت الأيام إنها مجرد هدنة لوقف الحرب واستراحة مؤقتة يلتقط فيها مجرم الحرب نتنياهو أنفاسه؛ لمواجهة تحديات الداخل الإسرائيلى ومنح الاقتصاد فرصة للتعافى، والتفرغ مؤقتا لإدارة الملف الإيرانى وفروعه فى اليمن وسوريا ولبنان سياسيا وعسكريا.
كل ما أخشاه أن تكون هذه الخطة المستحيلة وغير الواقعية مجرد خدعة «ترامبية» جديدة لاستعادة كل الرهائن وإنقاذ مجرم الحرب، على حساب أمة تعانى الانكسار، وابتليت رغم غزارة وتنوع مواردها بالفقر والضعف والهوان.
Samy sabry19@gmail.com
اقرأ أيضا
سامي صبري يكتب لـ «30 يوم» : ترامب يتبجح .. و« النتن » يخاطب نفسه