محمد شـكر يكتب لـ «30 يوم» : ترامب يعلن الحرب على المنطقة لفرض مخطط الشرق الأوسط الجديد

كان ترامب منذ البداية، لم يكن نتنياهو على الإطلاق، فهو كلب صيد مطيع أطلقه الرجل البرتقالي لحصار فرائسه، واختطاف غزة كرهينة ليقايضها ترامب بجائزة أكبر، لا مقابل المحتجزين الإسرائيليين أو ريفييرا صهره اليهودي، ولكن مقابل مجد تمثله قلادة “نوبل”، التي أسالت لعاب ترامب ليزحف نحوها لسنوات بتوقيع الاتفاقيات الإبراهيمية في فترته الرئاسية الاولى، وتحريض حلفائه على ترشيحه لنيلها في فترة حكمه الثانية، متخذاً من الزوابع التي أثارتها إدارته حول العالم، بعسكرة الاقتصاد، وسياسات الضغوط القصوى للتفاوض، أداة لفرض سيطرة فوقية أمريكية على العالم، لم تنتهجها الولايات المتحدة بهذه البجاحة السياسية منذ إدارة جورج دبليو بوش الأكثر دموية، فترامب شخص تافه وجشع في الوقت ذاته، لهذا يريد أن يحفر اسمه في التاريخ كصانع سلام، ربما نكاية في سلفه الديمقراطي باراك أوباما، الذي يستدعيه لهدم أسطورته من حين لآخر، ولم يجد ترامب سبيلاً لتحقيق هدفه إلا بممارسة ألعابه الصبيانية، التي طالما مارسها في حلبات المصارعة، ليصنع من نفسه بطلاً من ورق بضرب مصارع شهير مقابل منحه آلاف الدولارات، لهذا يجد ترامب متعة في إشعال الحروب أو المساعدة على اشتعالها، فقط ليعود ويطفئها بضجة أكبر وعرض مسرحي ساذج يليق بممثل رديء.
ضرب الدوحة.. قمة نيويورك العربية الأمريكية.. المؤتمر الصحفي لترامب ونتنياهو.. أحداث يمكن البناء عليها في فهم مخطط الشرق الأوسط الجديد، الذي تحدث عنه ترامب في حضرة نتنياهو، ليؤكد في المؤتمر الصحفي أنه حاضر منذ البداية، وما تساقط من بنايات غزة وأرواحها لم يكن إلا طريقة تفاوض انتهجها للضغط على المحيط العربي، والعودة خطوة إلى الوراء، بعد أن أفشل مشروع الممر التجاري الهندي بابتزازه للهند وعرقلتها بـ50% رسوما جمركية، ليعود إلى إحياء ريفييرا تخلو من معظم الفلسطينيين، فلا شرق أوسط جديد يتضمن غزة، وانصياع حماس لمبادرة ترامب للسلام لن يمنع إسرائيل من مطاردة قادتها وإعادة إشعال المنطقة، لتبقى إيران الهدف البديل لنتنياهو، والتي كانت حاضرة بقوة في المؤتمر الصحفي مع مباهاة كلاً من ترامب ونتنياهو بانتصار زائف على طهران، فالحرب قد تتوقف الآن بعد عام كامل من إدارة ترامب لها، وهو من أوقفها سابقاً قبل ظفره بالمكتب البيضاوي للبيت الأبيض بليلة واحدة، ولكنها ستتجدد على جبهة إيران إن آجلاً او عاجلاً.
فالمنطقة الآن تستعد لحرب أعلنها ترامب في مؤتمر صحفي مفترض أنه مؤتمر للسلام، والشرق الأوسط الجديد الذي يريده ترامب ونتنياهو، شرق أوسط ضعيف وخاضع لوصاية إسرائيل العسكرية، وعلى قادته أن يوقعوا وثائق استسلام غير معلنة، تمكن ترامب من ترك المنطقة تحت وصاية إسرائيل، ليقوم بسحب قواعده العسكرية التي تكبد الاقتصاد الامريكي مئات مليارات الدولارات سنوياً، أو بيعها للدول المضيفة بقدرات أضعف والاستفادة من صفقات سلاح جديدة، وهذا التوجه مارسته الولايات المتحدة تجاه قطر في قاعدة العديد، ليفرض ترامب على الدوحة إنفاق 10 مليار دولار لتطوير القاعدة التي تستخدمها واشنطن كقيادة مركزية لسلاح الطيران الأمريكي في الشرق الأوسط، قبل قصف قيادات حماس في الدوحة بطائرات إسرائيلية، ما يمثل تواطؤاً من قاعدة العديد التي تضم أفضل أنظمة الدفاع الجوي في العالم، والتي رصدت الطائرات الإسرائيلية وأبلغت القيادة الأمريكية وفق رواية ترامب الطفولية، ولم تتعامل معها الدفاعات الأمريكية لتسمح لها بتنفيذ عمليتها الإرهابية في الدوحة، ليمثل قصف العاصمة القطرية نقطة تحول في السياسات الخارجية القطرية والخليجية، فالضربة الإيرانية اختارت قطر، وإعلان إسرائيل سيادتها على الخليج تم بضرب الدوحة أيضاً، كرسالة للرياض باعتبارها آخر العواصم الخليجية التي لم تدخل حظيرة التطبيع بعد، فالشرق الأوسط الجديد لن يكون فيه تفوقاً خليجياً ولو امتلكت دول الخليج المال، وضرب إسرائيل لقطر رسالة لمحيطها الخليجي، والآن فقط اكتملت ملامح إعادة تشكيل المنطقة، فالشرق الأوسط الجديد يجب أن يكون محتلاً وسمائه منتهكة، وحدوده لينه يمكن إعادة تشكيلها وفق مصالح وتحالفات إسرائيل في المنطقة، وهو ما قد يثير القلاقل في حال مقاومة أي دولة لانتهاك سيادتها، لهذا لم يكن المؤتمر الصحفي مع نتنياهو الذي عنونه ترامب بمؤتمر السلام سوى مؤتمر لتدشين الشرق الأوسط الجديد.
ترامب الذي أدرك أخيراً خطورة التهجير على المحيط العربي لفلسطين، وتأثير هذا المخطط على مصير الأنظمة الحليفة في الشرق الأوسط، أكد أن إدارته فهمت مخاوف الدول، ولكنه لا يوقف الحرب على غزة مجاناً، ومن أجل هذه المخاوف، بل يجعل منها هدنة لخداع حماس والدول العربية، فقط لمحاولة تجميل صورة إسرائيل، والقضاء على حلم الدولة الفلسطينية المستقلة، مع رفضه أن تكون القدس عاصمة لهذه الدولة التي لا تحول بينها وبين الاعتراف الرسمي بها سوى بلاده وما تحكمها من جماعات الضغط اليهودية، لأنه يرى في الاعترافات المتوالية بدولة فلسطينية، مجرد عقاب جماعي لإسرائيل على قسوتها في القضاء على حماس وما تطاله يداها من مدنيين، لهذا فقط يريد وقف الحرب وفق روايته، ولكنه يريد أن يجرب وقف الحرب كطريق مضمون لنيل جائزة نوبل للسلام، مع الحرص على إمكانية إشعال الحرب في أي وقت إذا ما اقتضت الضرورة ذلك، وعلى دول الخليج إدراك أن ترامب سيحملها كلفة الحرب على غزة، مع تملقه للقادة العرب وادعائه بأنه يقدم خطة سلام دائمة للشرق الأوسط، فالجميع سينخرط في خطة لا تعمل إلا لتمكين إسرائيل من مفاصل المنطقة، وما يقوم به ترامب ونتنياهو الآن، مجرد انعكاس لضعف مخرجات قمة الدوحة، ومقايضة الرد بوقف الحرب على غزة، لتجنيب قطر ومجلس التعاون الخليجي الإحراج الناتج عن عدم الرد على إسرائيل، وتنصيبها حاكماً عسكرياً للشرق الأوسط.
فلا شيء تغير في مخططات ترامب ونتنياهو للمنطقة، ولو تم وقف حرب الإبادة إلى حين، وقبيل قمة الدوحة حذرت من حماقة الاختيار بين قيادة مصر للمنطقة، وتنصيب إسرائيل حاكماً عسكرياً للشرق الأوسط، ودعوت الدول العربية والخليجية منها للفظ مخططات ترامب، والاصطفاف خلف الموقف المصري، وخلافاً لذلك اكتفت قطر بوعد أمريكي بعدم قصفها مجدداً إلا لو أوقفت تمويل الموازنة الأمريكية، ووقعت السعودية اتفاق دفاعي مع باكستان الحليف الأمريكي الذي يمتلك البنتاجون مفاتيح تعطيل أسلحتها الأمريكية، وسبق أن عطلتها واشنطن لإبطال هجوم على الهند في وقت سابق، وحتى مع السماح بالحصول على أسلحة صينية، تبقى باكستان أضعف من عصيان ترامب حتى في وجود اتفاق الدفاع مع السعودية، وما زالت مصر في المواجهة منفردة، تدفع ثمناً باهظاً مقابل موقفها الراسخ والرافض لتصفية القضية الفلسطينية، وعلى مصر أن تحذر من استمرار مخططات التهجير، ولو فهم ترامب خطورتها على معاهدة السلام التي تآكلت ملاحقها واحداً تلو الآخر، فلن يتغاضى عن مخططاته لإنشاء مدينة ترامب على أنقاض غزة، وهو ما لن يتم إلا بإزاحة النسبة الأكبر من الفلسطينيين خارج أراضيهم، وأعتقد أن مدح ترامب للرئيس المصري في هذا المؤتمر تحديداً لا يعني أن ترامب لن ينتقم، أو حتى أنه لن يحصل على ما رفضته القاهرة سابقاَ، فالوضع يبقى جامداً والاحتفاء بالسيسي من نازي لا ينسى صفعة وجهت إليه قط، لا يؤكد صفاء سريرته، بقدر ما يؤكد أن هناك ما يدبر بليل، وأن مصر ستدفع الثمن منفردة سواء على جبهتها الشرقية أو الجنوبية، وليس عليها الآن سوى الحفاظ على تأهبها ويقظة جنودها البواسل لوأد مخططات اختراق الأمن القومي المصري.
محمد شكر يكتب لـ « 30 يوم »: قمة الدوحة .. قيادة مصر أو تنصيب إسرائيل حاكماً عسكرياً للشرق الأوسط