الإعلامية الجزائرية د. كريمة الشامي الجزائري تكتب لـ «30 يوم» : المشاكل النفسية بين الرجل والمرأة في مجتمعاتنا

في عمق كل مجتمع تتخفّى أوجاع صامتة، لا تُرى بالعين المجرّدة لكنها تعصف بالنفوس وتُشكّل السلوك. نحن نعيش اليوم زمنًا تتزايد فيه الضغوط النفسية، حتى غدا الاضطراب هو القاعدة لا الاستثناء.
واللافت أنّ هذه الأزمات النفسية لا تُصيب الجنسين بالدرجة نفسها، بل تختلف جذورها وتجلياتها بين الرجل والمرأة، تبعًا للبنية النفسية والاجتماعية لكلٍّ منهما.
المرأة: القلب المثقل بالأعباء
المرأة في مجتمعاتنا العربية تحمل على كتفيها إرثًا ثقيلاً من التوقعات.. فهي مطالبة بأن تكون زوجة مثالية، وأمًا صابرة، وموظفة ناجحة، وفي الوقت نفسه رمزًا للجمال والأنوثة.. هذا التناقض يولّد توتراً دائماً بين ما تريده هي حقاً، وبين ما يُفرض عليها اجتماعيًا.
- أكثر الاضطرابات شيوعًا عند النساء: القلق، نوبات الهلع، والاكتئاب.
- السبب النفسي: ارتفاع حساسية الجهاز العصبي العاطفي عند المرأة، وارتباطها العميق بالهرمونات التي تجعل مشاعرها في حركة دائمة.
- السبب الاجتماعي: التربية القائمة على “إرضاء الآخر”، والخوف من الوصمة في حال التمرد أو الرفض.
الرجل: الصراع مع صورة “القوة”
الرجل العربي يواجه بدوره سجنًا نفسيًا مختلفًا. منذ طفولته يُربّى على كبت الدموع، وإخفاء الضعف، وأن يكون “الجدار الصلب” مهما انهار داخليًا.. هذا الكبت المزمن يتحوّل لاحقًا إلى مشاكل نفسية جسيمة.
- أكثر الاضطرابات شيوعًا عند الرجال: الإدمان، العدوانية، واضطرابات الشخصية (خصوصًا النرجسية والسيكوباتية).
- السبب النفسي: رفض الاعتراف بالضعف العاطفي يؤدي إلى تراكم الصدمات غير المعالجة.
- السبب الاجتماعي: ثقافة “الرجولة السامة” التي تساوي بين القسوة والقوة، وتحرم الرجل من حقه في التعبير الإنساني الطبيعي.
الفروق الجوهرية
- التعبير عن الألم:
المرأة تبكي وتتكلم، بينما الرجل يصمت ويتحوّل إلى العنف أو الانسحاب.
- مصدر القلق:
المرأة تقلق من الداخل (مشاعرها وعلاقتها بذاتها)، بينما الرجل يقلق من الخارج (نجاحه، ماله، مكانته).
- الطلب على العلاج:
النساء أكثر إقبالًا على زيارة الأطباء النفسيين، بينما الرجال أقل لأنهم يعتبرون العلاج “ضعفًا”.
نحو وعي جديد
المجتمعات التي تُنكر الألم النفسي وتُخفيه خلف الأقنعة، تُنتج أجيالاً مريضة بلا وعي. المطلوب اليوم ليس فقط العلاج الفردي، بل بناء ثقافة جماعية تُعيد تعريف القوة والضعف:
- أن تكون المرأة قادرة على قول “لا” دون شعور بالذنب.
- أن يكون الرجل قادرًا على البكاء دون شعور بالعار.
- أن يكون الاعتراف بالحاجة إلى العلاج النفسي فضيلة، لا فضيحة.
الخلاصة:
إن الفروق النفسية بين الرجل والمرأة ليست سببًا للتناحر، بل لفهمٍ أعمق.. فروق تكاملية، تُظهر أن لكلٍّ منا نقاط قوّة وضعف.
وإذا كان الاضطراب النفسي مرآةً لخلل المجتمع، فإن العلاج يبدأ من إعادة الاعتبار للإنسان فينا قبل أي صفة جندرية…
كاتبة المقال .. الإعلامية الدكتورة كريمة الشامي الجزائري … بروفيسورة في علم النفس – هيوستن
اقرأ أيضا:
الإعلامية الجزائرية كريمة الشامي تكتب لـ «30 يوم» : من قوارب الغرق إلى ضفاف الأمل
الإعلامية الجزائرية كريمة الشامي تكتب لـ «30 يوم» : هروبٌ من حبٍ لا يكتمل .. !