سماحة سليمان تكتب لـ «30 يوم» : بداية الحقيقة

من غير سبق إنذار، تجد نفسك في موقف وأصابع الاتهام حولك. أنت الذي.. وأنت الذي.. وهلم جراً إلى كتاب مسطور بكل أخطائك.
تجد نفسك محاطاً بأرشيف عن أخطائك عجاباً، “أليس لي عملٌ جيد؟”. هنا، عندما تكون الأكثر صدقاً والأقل تلاعباً، تأتي تهمتك:. أنك صادق. أنك نَظيف.. أنك مخلص…
ولكن.. أنت يجب أن تكون مثلي.. أنت يجب أن تكون سيئاً بقدري، بل أقبح مني.. لأن نَقَاءك هذا يجعل قذارتي واضحة.
لذلك نبدأ قصة الجاني الذي تحوّل إلى ضحية..
الجريمة الأولى كانت صمتك
اللعبة تبدأ عندما يكتشف المتلاعب أنك لست مثله.. أنك لن تلاعب مثله، لن تكذب مثله، لن تلفق الاتهامات مثله.. هذه براءتك هي جريمتك الأولى.. وهو يحاكمك عليها.
يبدأ باختبارك.. إهمال بسيط، كلمة جارحة مغلفة بلفافة “دعابة”، نسيان متعمد .. ينتظر ردة فعلك.. إن صمتّ، يعيد الكرة بأسلوب أوجع.. وإن احتججت، يبدأ المشهد الذي أتقنه..
مسرح العبث
تقول له: “آلمتني”. فينظر إليك منفوخاً كالديك، مستنكراً: “أنا؟! أنا الذي .. أنا الذي .. وأنت تتهمني؟!”
في هذه اللحظة، يختطف المشهد.. يتحول مناقشة ألمك إلى مناقشة “ظلمه” هو.. دموعه جاهزة، صوته مرتجف، يحضر قائمة “إنجازاته” معك وكأن العلاقة مقايضة.. هو لم يعد الجاني، بل أصبح الشهيد الذي تجرأتَ على طعنه.
الضحكة الأخيرة
ثم يأتي الدور على الجمهور. يسبقك إلى الكل، حرفيا الكل ، ويبدأ دوره البطولي وتبقى أنت في دائره المتهم ( الجاني).
يقدم نسخته: “أنا أحاول وأحاول وهو لا يرى .
.. لا يشكر .. يريدني (—–)!”
وهنا يبدأ الضباب بالانتشار لتغلق ستارة المسرحيه على هذا المشهد الدارمي العظيم وكان المشاهدون اكتشوا من القاتل، الجميع يصفق رغم تراجيدية الموقف ولكن يصفقون على الاتقان على صبر الضحيه ، الجميع يُخدع.. الجميع يشعر بشفقة على “هذا المسكين” الذي يحاول ولا يُقدر.. وأنت.. أنت ذلك الوحش الذي لا يشكر.
الضحايا الجدد
وهنا تكتمل الدائرة.. بعد أن تُجرع مراراً كأس الظلم هذا، قد تتحول إلى نسخة مشوهة من نفسك.. تبدأ تتوقع الأذى من الجميع.. ترفع سلاح “الدفاع الاستباقي”: تهاجم قبل أن تُهاجم، تتهم قبل أن تُتهم..
تتعلم لعبة “ضربني وبكى” ليس لأنك سيء، بل لأنها أصبحت لغة البقاء الوحيدة التي تعرفها.. وهكذا ينتقل المرض.. من جلاد إلى ضحية تتحول إلى جلاد..!
كيف تكسر الدائرة؟
الأمر يحتاج شجاعة نوعية:
لا تنتظر العدل من الآخرين.. المتلاعب ماهر في كسب التعاطف..
ثق في واقعك أنت.. إن كنت تعرف في قرارة نفسك أنك لم تخطئ، فلا تدع شكوكه تدخل قلبك..
اضحك على المسرحية.. عندما يبدأ تمثيلية “يا حظي العاثر”، تعامَل معها كمسرحية. لا تشارك فيها.
الأهم: اقتلع نفسك من هذه التربة السامة.. لا يمكنك أن تزهر في أرض تُعاقبك على نقائك..
الخاتمة
في النهاية، “ضربني وبكى” ليست مجرد لعبة.. إنها نظام حياة لشخصيات مريضة ترفع شعار: “إما أن تنزل إلى مستواي، أو سأدمرك لأنك تذكرني بأن هناك مستوى أعلى”.
ولكن تذكر: نظافة قلبك ليست ضعفاً.. بل هي أقوى سلاح.. لأن من يلعب بالنار سيحترق في النهاية، أما من يمشي بنقاء.. فسيصل….
اقرأ أيضا
سماحة سليمان تكتب لـ «30 يوم» : بذور الشر بداخلنا