
كتب- أحمد أبو زيد:
حديث القرآن الكريم عن خلق الجبال كان حديثاً مفصلاً بكونها أوتاداً ورواسي، وأنها ذات ألوان مختلفة متنوعة، وهو ما لم تعرفه البشرية من قبل، ولم يتوصل له العلم الحديث إلا منذ ما لم يزد عن أربعين سنة فقط.
يقول الدكتور زغلول النجار في معرض حديثه عن بعض الاكتشافات العلمية المتعلقة بالجبال:
هذه المعلومات المكتسبة عن الجبال بدأ الإنسان في جمع أطرافها ببطء شديد منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، ولم يتبلور مفهوم صحيح لها إلا في منتصف الستينات من القرن العشرين، عندما كان مفهوم تحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض في مرحلة التبلور النهائي له.
وفي المقابل نجد أن القرآن العظيم الذي أوحاه الله تعالى إلى خاتم أنبيائه ورسله صلّ الله عليه وسلم يحوي من حقائق الكون -ومنها حديثه عن الجبال- ما لم يكن متوفراً لأحد في زمان نزوله، ولا لقرون متطاولة من بعد ذلك النزول.

“والجبال أوتاداً”
تشير الآية إلى أن الجبال أوتاد للأرض، والوتد يكون جزء منه ظاهراً على سطح الأرض ومعظمه غائراً فيها، ووظيفته التثبيت لغيره، بينما نرى علماء الجغرافيا والجيولوجيا يعرّفون الجبل بأنه كتلة من الأرض تبرز فوق ما يحيط بها، وهو أعلى من التل.
حقيقة علمية من خلال التصوير الحديث ويقول د. زغلول النجار:
إن جميع التعريفات الحالية للجبال تنحصر في الشكل الخارجي لهذه التضاريس، دون الإشارة لامتداداتها تحت السطح، والتي ثبت أخيراً أنها تزيد على الارتفاع الظاهر بعدة مرات. ثم يقول: ولم تكشف هذه الحقيقة إلا في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، عندما تقدم السير جورج آيري بنظرية مفادها أن القشرة الأرضية لا تمثل أساساً مناسباً للجبال التي تعلوها، وافترض أن القشرة الأرضية وما عليها من جبل لا تمثل إلا جزءاً طافياً على بحر من الصخور الكثيفة المرنة، ومن ثم فلا بد أن تكون للجبال جذور ممتدة داخل تلك المنطقة العالية الكاشفة؛ لضمان ثباتها واستقرارها.
وهذه الحقيقة العلمية لم تعرف إلا منذ أمد قصير؛ بعدما أمكن تصوير باطن الأرض بالوسائل الحديثة التي لم تكن معروفة قبل القرن العشرين، بل قبل النصف الأخير من هذا القرن، إذا وجد أن الجبل ليس هو الجزء الظاهر منه فوق سطح الأرض فقط، بل إنه مغروس كالوتد في باطن الأرض، وأن الجزء المغروس منه في باطن الأرض هو ما يثبت الجبل مكانه، وهذه الحقيقة لم تكن معروفة للعرب ولا لغيرهم وقت نزول القرآن، حتى يقال إن محمداً صلّ الله عليه وسلم اقتبسها من علوم عصره، إنما هي إحدى الإشارات القرآنية الكونية التي وعد الله البشر بأنهم سيعلمونها يوماً من الأيام، ويعلمون أنها حق، ويتبينون أنها وحي من عند الله.
ولقد وصف القرآن الجبال شكلاً ووظيفة، فقال تعالى: ﴿وَالْجِبالَ أَوْتاداً﴾ [سورة النبأ: 7]، وقال تعالى: ﴿وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [سورة لقمان: 10].
وقال تعالى: ﴿وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُون﴾ [سورة الأنبياء: 31]. والجبال أوتاد بالنسبة إلى سطح الأرض؛ فكما يختفي معظم الوتد في الأرض للتثبيت كذلك يختفي معظم الجبل في الأرض لتثبيت قشرة الأرض.
وكما تثبت السفن بمراسيها التي تغوص في ماء سائل، فكذلك تثبت قشرة الأرض بمراسيها الجبلية التي تمتد جذورها في طبقة لزجة نصف سائلة تطفو عليها القشرة الأرضية.
سر مجئ الأنهار بعد الرواسي في الآية الكريمة
وفيما يخص الجبال فثمة حقيقة؛ وهي أنها خُلقت من أجل ترسية الأرض ومنعها من أن تميد بالناس، فهي -بجذور أوتادها المغروسة في باطن الأرض- تحفظ توازن الأرض، وتجعلها مستقرة ليستطيع البشر أن يعيشوا فوقها، وينشطوا نشاطهم، ويبنوا ما يبنون من منازل ومنشآت، ولولاها لظلت الأرض تميد بالناس وترتجّ بهم ذات اليمين وذات الشمال، فتحدث الزلازل بين الحين والحين، وبصدد تلك الرواسي جاء في سورة الرعد: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [سورة الرعد: 3].
وهذه الآية وحدها تحمل حشداً من المعلومات العلمية متتابعة تتابعاً علمياً لم يكن يدركه الناس قبل اتساع معلوماتهم عن هذا الكون وما يجري فيه؛ فالرواسي – وهي الجبال – تحفظ توازن الأرض، وفي الوقت ذاته هي مصدات تصدّ الرياح المحملة ببخار الماء؛ فيصعد إلى الأعلى، فيبرد، فيتكاثف، فينزل إلى الأرض في صورة أمطار، ومن الأمطار الغزيرة تتولد الأنهار، ومن هنا نجد أن ذكر الأنهار بعد الرواسي ليس مجرد تعداد لآيات قدرة الله في الكون، وإنما هناك ترابط علمي بينهما، وهو ترابط السبب والنتيجة.
سر غشيان الليل النهار بعد ذكر الثمرات
ومرة أخرى يأتي الترابط العلمي فيما بين الأنهار والثمرات، فالأنهار هي التي تسقي الزروع فتنتج منها الثمار، وثمة حقيقة علمية أخرى؛ هي أن الثمرات أزواج.
ولكن الذي يلفت النظر العلمي ذكر غشيان الليل النهار بعد ذكر الثمرات، وهذه حقيقة علمية لم تكن معروفة إلا أخيراً؛ وهي أن الثمرة تنمو في الليل، وأن غشيان الليل النهار أمر ضروري لإنضاج الثمرة، وأنه إذا لم يأخذ النبات حظه من الإظلام في الليل فإنه يضعف ويذوي.

اقرأ أيضا
نسائم الجمعة .. هل تغضب الجبال .. وكيف غضبها
نسائم الجمعة .. تسبيح وسجود وخشية الجبال .. عبودية المخلوقات لخالقها رغم صلابتها وعظمتها
نسائم الجمعة .. لماذا وصفت القيامة بالوقوع في« إذا وقعت الواقعة » .. والجبال والإعجاز القرآني