توبفن و ثقافةكُتّاب وآراء

محمد شكر يكتب لـ« 30 يوم»: « بورسعيد السينمائي » مخاض عسير وتاريخ من المؤمرات .. قراءة في واقع المهرجانات المصرية

مخترقاً كافة العوائق المادية والفنية، نجح الناقد الشاب أحمد عسر في الخروج بالدورة التأسيسية لمهرجان بورسعيد السينمائي الدولي، ليضع هو وفريقه من المقاتلين، مهرجان اعتبرته حلماً مؤجلاً على خريطة الفعاليات الإقليمية والدولية، بغض النظر عما احتوته الدورة الأولى من نواقص تنظيمية، يغفرها ضعف الدعم والتمويل لدورة استثنائية، رسخت أقدام المهرجان الوليد كممثل شرعي للسينما البورسعيدية في مصر، بعد أن تعرضت لإهمال لا يليق بالمدينة الباسلة وأبنائها الأكثر عشقا للسينما وألوان الفنون المختلفة.

أحمد عسر

ثلاث تجارب فاشلة مر بها مشروع إقامة مهرجان سينمائي في محافظة بورسعيد، كنت شاهداً على تجربتين منهما، لتحسم التجربة الرابعة معركة مهرجان بورسعيد السينمائي بتوقيع أحمد عسر، فالتجربة الأولى كانت برئاسة الفنان فتحي عبد الوهاب، وافسدتها رعونة القائمين عليها، والخلافات بين الأطراف المنظمة، إضافة إلى وصاية صاحب التجربة الثالثة التي لم تظهر معلومات عنها في وسائل الإعلام، لأنها دبرت بليل، وبعد نحو عقد من المحاولات والتآمر على بورسعيد ومهرجانها، اكتشفت أن محاولات إفساد النسخ المختلفة وقف ورائها مستشار السينما الذي كان يريد أن يجعل مستقبل المهرجان مرهوناً بخطته البديلة للتقاعد، حال إخراجه من منصبه أو مناصبه العديدة، ولكنه تراجع قبل نحو عام بعد أن ضلل عقالاً خليجياً ليغترف ما يريد من ريالات لإنتاج أعمال سينمائية لا ننتظر منها الكثير.

إسماعيل مراد

ويمكن اعتبار النسخة الثانية برئاسة إسماعيل مراد هي الأكثر بؤساً على الإطلاق، خاصة وأن إسماعيل مراد هو المخرج الأكثر فشلاً في التاريخ الحديث للسينما المصرية، والذي لم يقدم عملاً منذ أكثر من 15 عاما، وأعماله الأخيرة تحولت إلى وصمات في تاريخ من شاركوه إياها من نجوم، مثل محمود حميدة وأشرف عبد الباقي ولبلبة وحنان مطاوع وغيرهم الكثير، فلا أحد يعتز بتجربة خاض غمارها مع إسماعيل مراد، الذي رأى في المهرجان وسيلة للعودة إلى الأضواء التي هجرته، وجني المال الذي يعشقه كبناته اللطيفات، ليساهم في عرقلة مسيرة الفريق البورسعيدي المنافس على إقامة المهرجان، باستقطاب مستشار سابق للمحافظ، والذي كان وغيره سببا في تأجيل نسخة العام الماضي، في محاولة فاشلة للقضاء على حلم أحمد عسر بإقامة مهرجان بورسعيد السينمائي، وهو المشهد الذي لم يغب عنه بطل النسخة الثالثة بعمله على تجييش الجميع ضد المهرجان البورسعيدي حتى وإن هادن أحمد عسر وأوهمه بمساندته في العلن.
ولا شك أن واقع المهرجانات السينمائية المصرية، ينذر بانفجار قريب قد يعصف بالعديد منها، مع سلبية وزارة الثقافة في التعاطي مع دور كل مهرجان، وأهميته والدور المنوط به في المنظومة الثقافية، فالدولة تمر بمرحلة فارقة استوجبت خفض النفقات والتقشف، وهو أمر انصاعت له الثقافة المصرية في عهد الوزير الحالي والسيدة التي سبقته إلى مقعد الوزارة ورحلت غير مأسوف عليها، دون تقديم حلول مبتكرة لتمويل الأنشطة ودفع المهرجانات باعتبارها قوة ناعمة، تمتلك القدرة على مساندة الدولة المصرية في أي من محنها الاقتصادية أو السياسية.

الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة

فالأزمة الحقيقية تتمثل في عدم قدرة العديد من المهرجانات على تسويق منتجها الإبداعي، بعيداً عن التمويل الحكومي، وبعد أن كانت وزارة الثقافة تمنح تمويلا كاملاً للمهرجانات، ساهم قرار رئيس الوزراء لعام 2019 في تقليص الدعم إلى 40% من مختلف جهات الدولة، حتى هذا الدعم تم حجبه عن الدورات الأولى للمهرجانات المرخص لها من قبل اللجنة العليا للمهرجانات، بقرار من لجنة السينما ذاتها، في تعميم لا يتناسب مع اختلاف طبيعة كل مهرجان وفرصه في تحقيق التمويل اللازم لإقامة فعالياته، وقدرته على التأثير في محيطه الاجتماعي، إضافة إلى استحواز مهرجانات أقدم على دعم أكبر رغم أنها استفادت من دعم امتد لعقود أو سنوات، كان كفيلاً بتحقيق رصيد مالي لإقامة دورات مقبلة، في تجسيد لغياب العدالة بين المهرجانات السينمائية المصرية، وظلم أكبر للمهرجانات الوليدة ولو كان تأثيرها أكبر من تلك التي امتدت دوراتها لعقود، وتقام في محافظات لا يمثل مبدعيها عناصراً فاعلة في صناعة المهرجانات التي تقام على أرضهم.

المخرج محمد محمود

ويمكن أن نستثني من ذلك تجربة مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير برئاسة المخرج السكندري محمد محمود، الذي يتقاضى دعماً لا يمثل 25% مما يتقاضاه مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، وحصل عليه بعد سنوات من التجاهل والاعتماد على جهود ذاتية لمنظميه، ومؤخراً مهرجان بورسعيد السينمائي برئاسة الناقد أحمد عسر، الذي يقيمه أبناء بورسعيد، ولم يلق دعماً على الإطلاق تطبيقاً لشرط وقف دعم الدورات الأولى للمهرجانات، ورغم أن مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير أصبح الأكثر جذباً للجمهور السكندري من نظيره الأقدم والأعرق، إلا أن فريقه يقاتل مع كل دوره لإحداث فارق والعمل على الارتقاء بما يحمله من تجديد يليق بالعقول التي تتولى إدارته، كما أبرز مهرجان بورسعيد السينمائي تعطش أبناء المدينة الباسلة للسينما، مع الإقبال الجماهيري الواضح على فعاليات وعروض المهرجان، رغم عدم تحصله على دعم من وزارة الثقافة أو وزارة السياحة التي تحقق استفادة كبيرة من مثل هذه الفعاليات الجاذبة لجنسيات مختلفة تعمل على الترويج لمصر كواجهة سياحية، فمصر لم تفقد قوتها الناعمة، ولكن على قادة الفكر في وزارة الثقافة، النظر إلى ما تحمله هذه البلاد من طاقات شابة، يمكن لدعمها أن يحقق أهدف الدولة المصرية في وقت تحتاج إلى تضافر كافة الجهود لمواجهة تحديات إقليمية ودولية تعصف بالدول والشعوب.
ومما سبق يمكن لوزارة الثقافة التي غاب رأسها عن افتتاح الدورة الأولى لمهرجان بورسعيد السينمائي، اعتبار المهرجانات سلاح قوي يجب شحذه واستغلاله في مختلف المجالات محلياً ودولياً، وهذا لن يتم إلا بالتعامل مع المهرجانات وفق طبيعة كل مهرجان وقدرته على التأثير في الداخل والخارج، وهو ما يجب أن يتحقق بالنظر على توجهات الدولة ووضع معاركها في الحسبان، لا لتوظيف العمل الثقافي سياسياً، ولكن لتبني رؤية وطنية للعمل الثقافي، يمكن تنسيقها من خلال اللجنة العليا للمهرجانات بالتعاون مع وزير الثقافة، بشرح التحديات التي تواجهها الدولة المصرية للقائمين على المهرجانات لمراعاة دورهم الوطني في الدعم والمساندة.

سيد فؤاد

فمهرجان مثل مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية برئاسة السيناريست سيد فؤاد يفهم هذا الدور جيداً، ويعمل على التغلغل أفريقيا لأكثر من عقد من الزمان، ولكنه يستوي مع مهرجان الاسكندرية السينمائي في الدعم، رغم غياب المتغيرات المتوسطية عن صناعه الذين استقطبوا دولاً خليجية في بعض الدورات تحت ستار مسابقة الفيلم العربي، وتكريم أسماء من دول الخليج أصبحت أيضاً حاضرة في لجان تحكيمه، فهنا مهرجان يسير بلا هدى، وفي الأقصر مهرجان عليه أن يقاتل إلى جانب الدولة المصرية في معركتها المصيرية مع إثيوبيا، لتزيد أهمية المهرجان بعد الافتتاح الرسمي لسد النهضة ومحاولة ابتزاز الرئيس الأمريكي لمصر بهذا الملف للتغاضي عن تهجير الفلسطينيين عبر أراضيها، فماذا فعلت وزارة الثقافة لتنسيق الجهود بين ما هو ثقافي وما هو سياسي في قضية مصيرية تحشد الدولة المصرية الدعم لها، بالتغلغل في العمق الأفريقي، فهل التقى وزير الثقافة سيد فؤاد واطلعت اللجنة العليا على ما يملكه من أدوات اتصال لتجييش السينمائيين الأفارقة لمساندة مصر في قضيتها العادلة والوجودية، وهل يمكن زيادة دعم مهرجان الأقصر استثنائياً للقيام بواجبه الوطني، أم غاب التنسيق والدعم كما غاب وزير الثقافة عن افتتاح الدورة التأسيسية لمهرجان بورسيعد السينمائي؟، هي أسئلة أراها مشروعة في مرحلة استثنائية تعيشها مصر، ويواجه فيها العمل الثقافي تحديات جسام يجب أن تضطلع فيها الدولة المصرية ممثلة في وزارة الثقافة بمهامها، من خلال دراسة كافة الفعاليات الثقافية وتوجيه الدعم لمن يستحق لا لمن نعرف، ودعم التجارب الشابة بما تحمله من آفاق يمكنها المساهمة في فعل التنوير، وتحقيق اصطفاف وطني بعدم دفع المثقفين إلى حظيرة انهارت بعد ثورتين ولم يدخلها إلا المنتفعين في وقتنا الحالي، والبحث عن الكوادر القادرة عن تطبيق رؤية ثقافية وطنية يشارك فيها الجميع بلا تمييز أو محسوبيات ترسخت بفعل جمود الوجوه المتحكمة في مصائر المبدعين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى